×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الأول

الحَالَةُ الثَّالثَةُ: مَنْ إذَا بُيِّنَ لَهُ الحَقُّ، لَم يَقْبَلْهُ، وَحَاوَلَ رَدَّهُ بالشُّبُهَات، فَهَذَا يُجَادَلُ بالَّتي هِيَ أَحْسَنُ لكَشْف شُبُهَاته، وَبَيَان خَطَئه.

قَالَ شَيْخُ الإسْلاَم ابْنُ تَيْميَة رحمه الله: «النَّاسُ ثَلاَثَة أَقْسَامٍ: إمَّا أَن يَعْتَرفَ بالحَقِّ، وَيَتَّبِعَهُ، فَهَذَا صَاحبُ الحِكْمَةِ، وَإمَّا أَن يَعْتَرفَ بِهِ، لَكِنْ لاَ يَعْمَلُ بِهِ، فَهَذَا يُوعَظُ حَتَّى يَعْمَلَ، وَإمَّا أَلاَّ يَعْتَرفَ بِهِ، فَهَذَا يُجَادَلُ بالَّتي هِيَ أَحْسَنُ؛ لأَنَّ الجِدَالَ فيه مَظنَّةُ الإغْضَاب، فَإذَا كَانَ بالَّتي هِيَ أَحْسَن، حَصَلَت مَنْفَعَتُهُ بغَايَة الإمْكَان كَدَفْع الصَّائِل». انْتَهَى.

وَقَالَ الإمَامُ ابْنُ القَيِّم: «جَعَلَ اللَّهُ مَرَاتبَ الدَّعْوَة بحَسَب مَرَاتب الخَلْق، فَالمُسْتَجيبُ القَابلُ الذَّكيُّ الَّذي لاَ يُعَاندُ الحَقَّ، وَلاَ يَأْبَاهُ، يُدْعَى بطَرِيقِ الحِكْمَة، وَالقَابلُ الَّذي عنْدَهُ نَوْعُ غَفْلَةٍ وَتَأَخُّرٍ، يُدْعَى بالمَوْعظَة الحَسَنَة، وَهيَ الأَمْرُ وَالنَّهْي المَقْرُونُ بالتَّرْغيب وَالتَّرْهيب، وَالمُعَاندُ الجَاحدُ يُجَادَلُ بالَّتي هيَ أَحْسَنُ». انْتَهَى. وَهَذَا لأَنَّ الدَّاعيَةَ كَالطَّبِيبِ، يُرَاعي حَالَ المَرِيض فِي عِلاَجِهِ لَهُ.

·       وَأَمَّا مَجَالاَتُ الدَّعْوَة، فَهيَ كَثيرَةٌ يَجبُ أَن تُسْتَغلَّ كُلُّهَا، وَتُشْغَل بالدَّعْوَة إلَى اللَّهِ، منْهَا:

1- مَجَالُ التَّعْليم سَوَاء كَانَ عَلَى نِظَامِ الحِلَقِ فِي المَسَاجد، أَو عَلَى نِظَامِ الفُصُول الدِّرَاسيَّة، فَالمُدَرِّسُ يَجبُ أَن يَكُونَ دَاعيَةً إلَى اللَّه بالقَوْل وَالعَمَل، وَالقُدْوَة الحَسَنَة، وَلاَ يَقْتَصرُ عَمَلُهُ عَلَى إلْقَاء دَرْسه فَقَط؛ فَإنَّ الطَّالبَ يَتَأَثَّرُ بمُدَرِّسه وَيَقْبَل منْهُ، وَيَقْتَدي به أَكْثَر من غَيْره، فَلْيَسْتَغلَّ المُدَرِّسُونَ هَذَا الانْقيَادَ من طُلاَّبهم، فَيَقُودُونَهُم إلَى الخَيْر، وَيَذُودُونَ بِهِمْ عَن الشَّرِّ.


الشرح