2- إمَامَةُ المَسْجد، وَخُطْبَة الجُمُعَة، وَهُمَا مَجَالٌ وَاسعٌ
وَمُتَكَرِّر يَوْميًّا وَأُسْبُوعيًّا يَسْتَطيعُ من خِلاَلِهِ الإمَامُ
وَالخَطيبُ أَن يُوَجِّهَ وَيُنَبِّهَ، وَأَن يَدْعُوَ إلَى اللَّهِ عَلَى
بَصيرَةٍ، وَكَانَ غَالبُ تَعْليمَات الرَّسُول صلى الله عليه وسلم تُوَجَّهَ إلَى
النَّاس بَعْدَ الصَّلَوَات، وَفي خُطَب الجُمُعَة، فَلَو اسْتُغِلَّ هَذَا
المَجَالُ اسْتغْلاَلاً حَسَنًا لَأَثْمَرَ خَيْرًا؛ لأَنَّ النَّاسَ يَجْتَمعُونَ
فِي بَيْتٍ من بُيُوت اللَّه بقُلُوبٍ مُؤْمِنَةٍ مُتَطَلِّعَةٍ إلَى التَّوْجيه
وَالتَّعْليم، وَمن هُنَا يَجبُ أَن يَكُونَ الإمَامُ وَالخَطيبُ عَلَى مُسْتوًى
طَيِّبٍ من العِلْمِ وَالرَّغْبَة فِي الدَّعْوَة وَالتَّوْجيه ليَنْفَعَ اللَّهُ
بِهِ، فَيَجبُ أَن يُخْتَارَ للإْمَامَة مَنْ هُوَ عَلَى هَذَا المُسْتَوَى.
مَوْسمُ
الحَجِّ، هَذَا المَوْسمُ العَظيمُ الَّذي يَجْتَمعُ فِيهِ المُسْلمُونَ مِنْ
جَمِيعِ أَقْطَار الأَرْض فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ ممَّا يُوَفِّرُ عَلَى الدُّعَاة
كَثيرًا من عَنَاء السَّفَر إلَى مَشَارق الأَرْض وَمَغَاربهَا، وَيُتيحُ لَهُمُ
الفُرْصَة أَن يَلْتَقُوا بأَكْبَر عَدَدٍ مُمْكنٍ منَ المَدْعُوِّينَ، وَلاَ شَكَّ
أَنَّ الحُجَّاجَ يَتَقَبَّلُونَ التَّوْجيهَ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرهمْ؛ لأَنَّهُم
جَاءُوا بقُلُوبٍ مُؤْمِنَةٍ مُتَطَلِّعَةٍ إلَى الخَيْر وَالتَّوْجيه الحَسَن.
وَقَد كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْتي إلَى الحُجَّاج فِي مَنَازِلِهم
فَيَعْرضُ دَعْوَتَهُ عَلَيْهم، وَكَانَ يُلْقي خُطَبَهُ فِي عَرَفَات وَأَيَّام
التَّشْريق.
في الدَّوَائر الحُكُوميَّة، وَالأَعْمَال الوَظيفيَّة، يَجبُ عَلَى رَئِيسِ الدَّائرَة وَالمَصْلَحَة الحُكُوميَّة أَن يُسْهمَ فِي الدَّعْوَة فِي مُحِيطِ مَنْسُوبِيهِ بأَنْ يُوَجِّهَ مَنْ يَحْتَاجُ مِنْهُم إلَى تَوْجِيهٍ فِي دينِهِ، وَيَتَفَقَّدُهُمْ عنْدَ حُضُور الصَّلاَة، وَيُنَاقشُ مَنْ يَتَخَلَّفُ مِنْهُمْ، فَلَيْسَ هُوَ مَسْئُولاً عَنْهُم فِي الأَعْمَال الوَظيفيَّة فَقَط، بَلْ هُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ من النَّاحيَة الدِّينيَّة فِي الدَّرَجَة الأُولَى، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» ([1])، وَكَذَلكَ المُوَظَّفُ
([1]) أخرجه: البخاري رقم (893)، ومسلم رقم (1829).