تَجِبُ مُنَاصَحَةُ وُلاَة الأُمُور بمَا فِيهِ
الخَيْرُ لَهُم وَلرَعِيَّتهم، وَبمَا يُعِينُهُم عَلَى القِيَامِ بمَهَامِّهم،
قَالَ صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ
النَّصِيحَةُ» ثلاث مرات قالوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «لِلهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ،
وَلأَِئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ» ([1]).
الصِّفَاتُ التي يَجبُ أَن يَتَحَلَّى بهَا الدَّاعيَةُ إلَى الإسْلاَم
****
لَمَّا
كَانَت الدَّعْوَةُ إلَى اللَّه عز وجل مَنْصبًا جَليلاً، وَجَبَ أَلاَّ
يَتَقَدَّمَ للْقِيَامِ به إلاَّ مَنْ تَوَافَرَت فيه شُرُوطٌ، وَتَحَلَّى
بصِفَاتٍ تَليقُ بهَذَا المَنْصِبِ.
وَمنْهَا: أَنْ يَكُونَ عَلَى عِلْمٍ بمَا يَدْعُو إلَيْه، قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ﴾ [يوسف: 108]، فَالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو إلَى اللَّه عَلَى بَصيرَةٍ، وَأَتْبَاعه يَدْعُونَ إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ. وَالبَصيرَةُ هيَ العِلْمُ، فَلاَ بُدَّ للدَّاعيَة من العِلْمِ بمَا يُشْرَعُ، وَمَا لاَ يُشْرَعُ، بأَنْ يُمَيِّزَ بَيْنَ السُّنَّة وَالبِدْعَةِ وَالحَسَنَة وَالسَّيِّئَة وَالحَلاَل وَالحَرَام، وَأَن يَعْرفَ الشِّرْكَ وَالتَّوْحيدَ، وَمَا هُوَ الكُفْرُ وَالفُسُوقُ وَالعِصْيَانُ حَتَّى يُعَامِلَ المَدْعُوِّينَ بحَسَب مَا عِنْدَهُم مِنَ الخَلَل، فَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى العِلْمِ الَّذي يَسْتَطيعُ به إقْنَاعَ المُعَارض، وَإفْحَام المُنَاظر، وَدَحْض الشُّبْهَة؛ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ﴾ [النحل: 125]، وَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لمُعَاذٍ لمَّا بَعَثَهُ إلَى اليَمَن: «إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ» ([2])، نَبَّهَهُ عَلَى ذَلكَ ليَتَهَيَّأَ لمُنَاظَرَتهم، وَيُعِدَّ الأَجْوبَةَ الصَّائبَةَ لاِمْتحَانِهِمْ لَهُ؛ لأَنَّهُمْ أَهْلُ عِلْمٍ سَابِقٍ بخِلاَفِ المُشْركينَ وَعَبَدَة الأَوْثَان الَّذِينَ لاَ عِلْمَ عِنْدَهُمْ.
([1]) أخرجه: مسلم رقم (55).