وَمُخَاطَبَةُ العَالِمِ لَيْسَت كَمُخَاطَبَة
غَيْره، فَالجَاهلُ لاَ يَصْلُحُ أَن يَكُونَ دَاعيَةً؛ لأَنَّهُ يَهْدمُ وَلاَ
يَبْني، وَيُفْسدُ وَلاَ يُصْلِحُ، وَيَقفُ عنْدَ أَدْنَى شُبْهَةٍ، وَيَنْقَطعُ
عنْدَ أَدْنَى خُصُومَةٍ، فَلاَ يَحْصُلُ المَقْصُودُ، أَو يَتَكَلَّمُ بجَهْلٍ،
أَو يَحْكُمُ بغَيْر عِلْمٍ. وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ حَرَّمَ القَوْلَ عَلَيْه
بلاَ عِلْمٍ، وَجَعَله عَديلاً للشِّرْك.
وَقَدِ
انْتَمَى إلَى الدَّعْوَة اليَوْمَ أُنَاسٌ لاَ عِلْمَ عنْدَهُم، فَنَخْشَى أَن
يُحْدثُوا آثَارًا سَلْبيَّةً، فَالوَاجبُ أَن يَقفُوا عنْدَ حَدِّهم، وَلاَ يَدْخُلُوا
فيمَا لَيْسَ من اخْتِصَاصِهِمْ، وَأَنْ يُسْتَبْدَلَ بِهِمْ أَهْلُ العِلْمِ
وَالبَصيرَة.
عَلَى
الدَّاعيَة أَنْ يَكُونَ عَاملاً بمَا يَدْعُو النَّاسَ إلَيْه مِنَ الخَيْرِ؛
لأَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ إلَى عَمَلِهِ قَبْلَ أَن يَسْتَمعُوا إلَى قَوْلِهِ،
وَقَد ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَن نَبيِّه شُعَيْبٍ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ
لقَوْمِهِ: ﴿وَمَآ
أُرِيدُ أَنۡ أُخَالِفَكُمۡ إِلَىٰ مَآ أَنۡهَىٰكُمۡ عَنۡهُۚ إِنۡ أُرِيدُ إِلَّا
ٱلۡإِصۡلَٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ﴾
[هود: 88].
قَالَ
شَيْخُنَا الشَّيْخ مُحَمَّد الأَمين الشِّنقيطي رحمه الله: يُفْهَمُ من هَذِهِ
الآيَة الكَريمَة أَنَّ الإنْسَانَ يَجبُ عَلَيْه أَن يَكُونَ مُنْتَهيًا عَمَّا
يَنْهَى عَنْهُ غَيْرَهُ، مُؤْتَمِرًا بمَا يَأْمُرُ به غَيْرَهُ، وَقَد بَيَّنَ
سُبْحَانَهُ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ: ﴿أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ
أَنفُسَكُمۡ﴾ [البقرة: 44]، وَقَوْله: ﴿كَبُرَ مَقۡتًا
عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفۡعَلُونَ ﴾
[الصف: 3].
وَفي «الصَّحِيحَيْن» من حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّار فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلاَنُ مَا شَأْنُكَ؟ أَلَيْس كُنْتَ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَال: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ» ([1]).
([1]) أخرجه: البخاري رقم (3267)، ومسلم رقم (2989).