عَلَيْهَا نَحْو البَشَريَّة أَكْثَر ممَّا
يَجبُ عَلَى غَيْرهَا ممَّن سَبَقَهَا من الأُمَم لمَا أَعْطَاهَا اللَّهُ من
الإمْكَانَات العَظيمَة الَّتي لَم تُعْطَهَا أُمَّةٌ غَيْرهَا، بَلْ هِيَ
المَسْئُولَةُ الوَحِيدَةُ عَن القِيَامِ بدَعْوَة البَشَريَّة، وَتَبْليغهَا
دَعْوَة اللَّه وَالجِهَادِ، لمَنْ لَم يَقْبَل هُدَى اللَّه، أَوْ صَد عَن
سَبِيلِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ
تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ﴾ [آل عمران: 110]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَكَذَٰلِكَ
جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ
ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ﴾
[البقرة: 143].
وَقَد
كَلَّفَ اللَّهُ رَسُولَ هَذِهِ الأُمَّة مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بدَعْوَة
البَشَريَّة كُلِّهَا، قَالَ تَعَالَى: ﴿تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ
لِيَكُونَ لِلۡعَٰلَمِينَ نَذِيرًا﴾
[الفرقان: 1] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدٗا
وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا ٤٥وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ وَسِرَاجٗا مُّنِيرٗا
٤٦﴾ [الأحزاب: 45- 46] وَقَالَ تَعَالَى:
﴿وَمَآ
أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا﴾ [سبأ: 28].
وَقَدْ
كُلِّفَت هَذِهِ الأُمَّة بمَا كَلَّفَ اللَّهُ رَسُولَهَا من القيَام بدَعْوَة
البَشَريَّة إلَى اللَّه عز وجل، قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ
عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ﴾
[يوسف: 108].
قَالَ
الحَافظُ ابْنُ كَثيرٍ رحمه الله: يَقُولُ تَعَالَى لرَسُوله صلى الله عليه وسلم
إلَى الثَّقَلَيْن: الإنْسِ وَالجنِّ آمرًا لَهُ أَن يُخْبـرَ النَّاسَ: أَنَّ
هَذِهِ سَبيلُهُ، أَيْ طَريقَتُهُ وَمَسْلَكه وَسُنَّته، وَهِيَ الدَّعْوَةُ إلَى
شَهَادَة أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَه لاَ شَريكَ لَهُ، يَدْعُو إلَى
اللَّهِ بِهَا عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ ذَلكَ، وَيَقِينٍ وَبُرْهَان، هُوَ وَكُلُّ
مَن اتَّبَعَهُ يَدْعُو إلَى مَا دَعَا إلَيْه رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم
عَلَى بَصيرَةٍ وَيَقينٍ وَبُرْهَانٍ عَقْليٍّ وَشَرْعيٍّ.اهـ.