فَالدَّعْوَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَاجبَةٌ
عَلَى هَذِهِ الأُمَّة، وَحَقٌّ للْبَشَريَّة عَلَيْهَا، وَهَذَا الوُجُوبُ
يَكُونُ فَرْضَ كفَايَةٍ، إذَا قَامَ به مَنْ يَكْفي من الأُمَّة، سَقَطَ الإثْمُ
عَن البَاقينَ، وَإنْ لَم يَقُمْ به أَحَدٌ، أَو قَامَ به مَنْ لاَ تَحْصُلُ به
الكِفَايَةُ أَثِمَ كُلُّ أَفْرَاد الأُمَّة ممَّن عِنْدَهُ الاسْتطَاعَةُ، قَالَ
تَعَالَى: ﴿وَلۡتَكُن
مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ
وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ﴾
[آل عمران: 104].
قَالَ
الحَافظُ ابْنُ كَثيرٍ رحمه الله: وَالمَقْصُود من هَذِهِ الآيَة أَن تَكُونَ
فِرْقَةٌ من هَذِهِ الأُمَّة مُتَصَدِّيَةً لهَذَا الشَّأْن، وَإنْ كَانَ ذَلكَ
وَاجبًا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ من الأُمَّة بحَسَبه، كَمَا ثَبَتَ فِي «صَحيح مُسْلم» عَن أَبِي هُرَيرَة رضي
الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ
أَضْعَفُ الإِْيمَانِ» ([1])
وَفي روَايَةٍ: «وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ
مِنَ الإِْيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَل» ([2])
انْتَهَى.
وَأَخْبَرَ
سبحانه وتعالى أَنَّ الدُّعَاةَ إلَى اللَّه هُم أَحْسَنُ النَّاس قَوْلاً، قَالَ
تَعَالَى: ﴿وَمَنۡ
أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ
إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ﴾
[فصلت: 33].
قَالَ الحَافظُ ابْنُ جَريرٍ رحمه الله: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ أَحْسَن - أَيُّهَا النَّاسُ - ممَّن قَالَ: رَبُّنَا اللَّهُ، ثُمَّ اسْتَقَامَ عَلَى الإيمَان به، وَالانْتهَاء إلَى أَمْره وَنَهْيه، وَدَعَا عِبَادَ اللَّه إلَى مَا قَالَ، وَعَمِلَ به من ذَلكَ، وَقَالَ الإمَامُ الشَّوْكَاني: وَالأَوْلَى حَمْل الآيَة عَلَى العُمُوم، وَكَمَا يَقْتَضيه اللَّفْظُ، فَكُلُّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ دَعْوَة العِبَادِ إلَى مَا شَرَعَهُ اللَّهُ، وَعَملَ
([1]) أخرجه: مسلم رقم (49).