×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الأول

كَيْفيَّة الدَّعْوَة وَمَجَالاَتهَا

****

أَمَّا كَيْفيَّةُ الدَّعْوَة، فَيَجبُ عَلَى الدَّاعيَة إلَى اللَّه أَن يُصْلِحَ نَفْسَهُ أَوَّلاً، وَمُحيطَهُ من أَهْل بَيْته وَأَقَاربه، ثُمَّ يَتَّجهُ إلَى دَعْوَة النَّاس، قَالَ تَعَالَى عَن نَبيِّه شُعَيْبٍ عليه السلام: ﴿وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أُخَالِفَكُمۡ إِلَىٰ مَآ أَنۡهَىٰكُمۡ عَنۡهُۚ إِنۡ أُرِيدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ [هود: 88]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ [التحريم: 6]، وَقَالَ تَعَالَى لنَبيِّه صلى الله عليه وسلم: ﴿وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ [الشعراء: 214].

قَالَ الإمَامُ العَلاَّمَة ابْنُ القيِّم رحمه الله: «فِي أَوَّل مَا أَوْحَى إلَيْه رَبُّهُ تبارك وتعالى أَن يَقْرَأَ باسْم رَبِّه الَّذي خَلَقَ، وَذَلكَ أَوَّلُ نُبُوَّته، فَأَمَرَهُ أَن يَقْرَأَ فِي نَفْسِهِ، وَلَم يَأْمُرْهُ إذْ ذَاكَ بتَبْليغٍ، ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْه: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ ١قُمۡ فَأَنذِرۡ ٢ [المدثر: 1- 2]، فَنَبَّأهُ بقَوْله: ﴿ٱقۡرَأۡ [العلق: 1] وَأَرْسَلَهُ بقَوْله: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ [المدثر: 1]، ثُمَّ أَمَرَه أَن يُنْذرَ عَشيرَتَهُ الأَقْرَبينَ، ثُمَّ أَنْذَرَ قَوْمَهُ، ثُمَّ أَنْذَرَ مَنْ حَوْلَهم منَ العَرَب، ثُمَّ أَنْذَرَ العَرَبَ قَاطبَةً، ثُمَّ أَنْذَرَ العَالَمِينَ». انْتَهَى.

وَمِنْ هُنَا نَعْلَمُ أَنَّ الدُّعَاةَ الَّذينَ يَتَجَاوَزُونَ بِلاَدَهُم وَمَنْ حَوْلهم، بَل يَتَجَاوَزُونَ أَهْلَ بُيُوتهم وَأَقَارِبِهمْ، وَهُمْ عَلَى الشِّرْك وَالكُفْر أَو المَعَاصي، وَيَذْهَبُونَ فِي مُحِيطٍ بَعِيدٍ عَنْهُم أَنَّهُم مُخَالفُونَ لهَدْي النُّبُوَّة فِي الدَّعْوَة.

وَعَلَى الدَّاعيَة أَن يَبْدَأَ بالأُمُور المُهمَّة، فَيَبْدَأ أَوَّلاً بإصْلاَح العَقيدَة؛ لأَنَّهَا هيَ الأَسَاسُ الَّذي تَنْبَني عَلَيْه سَائرُ الأَعْمَال؛ فَالأَعْمَالُ مَهْمَا بَلَغَت إذَا لَم تَكُنْ مَبْنيَّةً عَلَى عَقيدَةٍ صَحيحَةٍ، سَليمَةٍ مِنَ الشِّرْك، فَإنَّهَا لاَ قيمَةَ لَهَا، وَلاَ فَائدَةَ منْهَا، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ [الزمر: 65].


الشرح