×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الأول

وَمِنْ هُنَا كَانَتْ دَعَوَاتُ الأَنْبيَاء عَلَيْهم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، أَوَّلُ مَا تَتَّجهُ إلَى إصْلاَح العَقيدَة بالدَّعْوَة إلَى التَّوْحيد، وَتَرْك الشِّرْك، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّٰغُوتَۖ [النحل: 36] وَكُلُّ نَبيٍّ يَقُولُ لقَوْمه أَوَّلَ مَا يَدْعُوهُمْ: ﴿وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡ‍ٔٗاۖ [النساء: 36].

وَهَكَذَا كَانَت دَعْوَة نَبيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَقَد لَبِثَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً فِي مَكَّةَ قَبْلَ الهِجْرَةِ يَدْعُوهُمْ إلَى التَّوْحيد، وَيَنْهَاهُمْ عَن الشِّرْك قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بصَلاَةٍ أَو زَكَاةٍ أَو صِيَامٍ أَو حَجٍّ، ممَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْهَجَ الأَنْبيَاءِ - عَلَيْهم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم - في الدَّعْوَة مَنْهَجٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ البَدَاءَةُ بالدَّعْوَة إلَى التَّوْحيد، وَالنَّهْي عَنِ الشِّرْك، ثُمَّ إلَى بَقيَّة الأَحْكَام، وَحَتَّى لَو كَانَ المُجْتَمَعُ مُسْلمًا، فَإنَّهُ لاَ يَخْلُو من وُجُود أَنْوَاعٍ من الشِّرْك فِي بَعْض النَّاس، وَبَعْض البلاَد بسَبَب الجَهْل، وَبسَبَب انْتشَارِ المُشَعْوذينَ وَالدَّجَّالينَ الَّذينَ يُحَاولُونَ إفْسَادَ عَقَائد النَّاس.

وَفي مُجْتَمَعنَا المُعَاصر -كَمَا تَعْلَمُونَ - الكَثيرُ وَالكَثيرُ من أَنْوَاع الشِّرْك الأَكْبَر المُتَمَثِّل فِي عبَادَة الأَضْرحَة فِي كَثيرٍ من البِلاَدِ الإسْلاَميَّة، وَلَمْ يَتَّجه إلَى إنْكَاره إلاَّ قَليلٌ منَ الدُّعَاة عَلَى كَثْرَتهم، وَهَذَا خَلَلٌ عَظيمٌ فِي مَنْهَج الدَّعْوَة.

ثُمَّ عَلَى الدُّعَاة كَذَلكَ أَن يَهْتَمُّوا بإنْكَار البِدَعِ المُحْدَثَة فِي العِبَادَاتِ، وَبتَعْليم النَّاس السُّنَنَ الصَّحيحَةَ؛ لأَنَّ البدَعَ من أَعْظَم مَا يُفْسدُ الدِّينَ بَعْدَ الشِّرْك، فَالمُبْتَدِعُ يُشَرِّعُ فِي الدِّين مَا لَم يَأْذَنْ به اللَّهُ، وَالبِدَعُ كُلُّهَا مَرْفُوضَةٌ مَرْدُودَةٌ عَلَى أَصْحَابهَا مَهْمَا أَتْعَبُوا أَنْفُسَهُم، وَأَنْفَقُوا أَمْوَالَهُم، وَضَيَّعُوا أَوْقَاتَهُم فِي إقَامَتهَا، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا


الشرح