عَلَى تَعْريف مَوَاقع رِضَا اللَّه وَسَخَطه
فِي حَرَكَات العِبَادِ الاخْتِيَاريَّة، فَمَبْنَاهَا عَلَى الوَحْي المَحْض -
وَالحَاجَة إلَى التَّنَفُّس فَضْلاً عَن الشَّرَاب وَالطَّعَام؛ لأَنَّ غَايَةَ
مَا يُقَدَّرُ فِي عَدَم التَّنَفُّس وَالطَّعَام وَالشَّرَاب: مَوْتُ البَدَن،
وَتَعَطُّل الرُّوح عَنْهُ، وَأَمَّا مَا يُقَدَّرُ عِنْدَ عَدَم الشَّريعَة،
فَفَسَادُ الرُّوح وَالقَلْب جُمْلَةً، وَهَلاَكُ الأَبْدَان.
وَشَتَّانَ
بَيْنَ هَذَا وَهَلاَك البَدَن بالمَوْت، فَلَيْسَ النَّاسُ قَطُّ إلَى شَيْءٍ
أَحْوَجَ مِنْهُم إلَى مَعْرفَة مَا جَاءَ به الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم،
وَالقيَام للَّه، وَالدَّعْوَة إلَيْه، وَالصَّبْر عَلَيْه، وَجِهَاد مَنْ خَرَجَ
عَنْهُ حَتَّى يَرْجعَ إلَيْه، وَلَيْسَ للْعَالَم صَلاَحٌ بدُونِ ذَلكَ البَتَّة،
وَلاَ سَبيلَ إلَى الوُصُول إلَى السَّعَادَة وَالفَوْز الأَكْبَر إلاَّ بالعُبُور
عَلَى هَذَا الجِسْرِ». انْتَهَى.
وُجُوب تَحْكيم الشَّريعَة فِي القَليل
وَالكَثير وَفي جَميع الأَمْكنَة وَالأَزْمنَة
****
كَانَت الشَّرَائعُ السَّمَاويَّةُ السَّابقَةُ، كُلُّ شَريعَةٍ منْهَا كَافيَةً لمَنْ أُنْزلَت عَلَيْهم فِي مَكَانٍ أَو زَمَنٍ مُحَدَّدينَ بمَجِيء شَرِيعَةٍ سَمَاويَّةٍ أُخْرَى تَنْسَخُهَا، أَوْ تَنْسَخُ مِنْهَا مَا اقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللَّهِ نَسْخَهُ، لتَغَيُّر الأَحْوَال، وَتَجَدُّد المُقْتَضَيَات، إلَى أَنْ جَاءَت الشَّريعَةُ الإسْلاَميَّةُ التي بُعِثَ بهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَت خَاتمَةً للشَّرَائع، كَمَا أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم خَاتَمُ الأَنْبيَاء، لاَ نَبيَّ بَعْدَهُ، فَكَانَت هَذِهِ الشَّريعَةُ هيَ البَاقيَة الصَّالحَة لكُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَكُلِّ جِيلٍ وَكُلِّ جِنْسٍ، وَقَدْ شَهِدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بكَمَالهَا وَشُمُولهَا حَيْثُ يَقُولُ: ﴿ٱلۡيَوۡمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِۚ ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ﴾ [المائدة: 3] وَيَقُولُ