الآرَاء وَالقِيَاسِ
وَالاسْتِحْسَانِ وَأَقْوَال أَهْل الآرَاء، عَرَضَ لَهُمْ فِي ذَلكَ فَسَادٌ في
فِطَرِهِمْ، وَظُلْمَةٌ فِي قُلُوبِهِم، وَكَدَرٌ فِي أَفْهَامِهِم، وَمَحْقٌ فِي
عُقُولِهِم، فَعَمَّتْهُمْ هَذِهِ الأُمُورُ، وَغَلَبَتْ عَلَيْهم حَتَّى رَبَا
فِيهَا الصَّغيرُ، وَهَرمَ عَلَيْهَا الكَبيرُ، فلْمَ يَرَوْهَا مُنْكرًا».
انْتَهَى.
وَقَالَ
سبحانه وتعالى: ﴿وَأَنِ
ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ
أَن يَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَٱعۡلَمۡ
أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعۡضِ ذُنُوبِهِمۡۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا
مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَٰسِقُونَ﴾
[المائدة: 49].
قَالَ
الشَّوْكَاني: أَيْ: إِنْ أَعْرَضُوا عَنْ قَبُول حُكْمكَ بمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
عَلَيْكَ، فَذَلكَ لمَا أَرَادَ اللَّهُ مِنْ تَعْذِيبِهمْ بِبَعْضِ ذُنُوبهمْ،
وَهُوَ ذَنْبُ التَّوَلِّي عَنْكَ، وَالإعْرَاض عَمَّا جِئْتَ بِهِ.
وَقَالَ
ابْنُ كَثِيرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِن تَوَلَّوۡاْ﴾
[المائدة: 49]: «أَيْ: عَمَّا تَحْكُمُ
به بَيْنَهُم مِنَ الحَقِّ، وَخَالَفُوا شَرْعَ اللَّهِ ﴿فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم
بِبَعۡضِ ذُنُوبِهِمۡۗ﴾ [المائدة: 49]، أَيْ:
فَاعْلَمْ أَنَّ ذَلكَ كَائنٌ عَنْ قُدْرَة اللَّهِ، وَحِكْمَتِهِ فِيهِم أَنْ
يَصْرفَهُم عَنِ الهُدَى لِمَا لَهُمْ مِنَ الذُّنُوب السَّالفَة الَّتي اقْتَضَت
إضْلاَلَهم وَنَكَالَهم». انْتَهَى.
وَقَالَ
سُبْحَانَهُ: ﴿وَمَنۡ
أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ
أَعۡمَىٰ ١٢٤قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرۡتَنِيٓ أَعۡمَىٰ وَقَدۡ كُنتُ بَصِيرٗا ١٢٥قَالَ
كَذَٰلِكَ أَتَتۡكَ ءَايَٰتُنَا فَنَسِيتَهَاۖ وَكَذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمَ تُنسَىٰ ١٢٦﴾ [طه: 124 - 126].
هَذَا مَا تَوَعَّدَ اللَّهُ بِهِ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ شَرْعِهِ، وَلَم يُحَكِّم كتَابَهُ، تَوَعَّدَهُ بالعُقُوبَة العَاجِلَةِ وَالآجِلَةِ؛ فَالعُقُوبَةُ العَاجلَةُ أَنْ يَعيشَ فِي الدُّنْيَا عَيْشًا ضَيِّقًا فِي تَعَبٍ وَنَصَبٍ وَهَمٍّ وَغَمٍّ وَقَلَقٍ، وَالعُقُوبَةُ الآجِلَةُ فِي الآخِرَةِ: ﴿وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبۡقَىٰٓ﴾ [طه: 127].