الإنْسَان عَقيدَةً وَأَخْلاَقًا وَسُلُوكًا؛
لأَنَّ الأَمْنَ لاَ يَتَوَافَرُ بمُجَرَّد البَطْش وَالإرْهَاب وَقُوَّة
الحَدِيدِ وَالنَّارِ، وَإنَّمَا يَتَوَافَرُ بتَهْذِيبِ النُّفُوس، وَتَطْهير
الأَخْلاَق، وَتَصْحيح المَفَاهيم حَتَّى تَتْرُكَ النُّفُوسُ الشَّرَّ رَغْبَةً
عَنْهُ، وَكَرَاهيَةً لَهُ.
كَمَا
يَقُولُ الشَّاعرُ:
وَلاَ تَنْتَه الأَنْفُسُ عَن غَيِّهَا **** مَا لَم
يَكُنْ لَهَا مِنْ نَفْسِهَا زَاجرُ
فَإذَا
فَقَدَ المُجْتَمَعُ هَذِهِ المُقَوِّمَات الَّتي جَاءَ الإسْلاَمُ بهَا، فَإنَّهُ
يَفْقِدُ أَمْنَهُ وَاسْتقْرَارَهُ، قَالَ الشَّاعرُ:
وَإنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاَقُ مَا بَقِيَتْ **** فَإنْ
هُمُ ذَهَبَت أَخْلاَقُهُم ذَهَبُوا
وَلهَذَا،
نَجدُ الأُمَمَ الَّتي تَفْقدُ هَذِهِ المُقَوِّمَات مِنْ أَفْلَسِ النَّاسِ مِنَ
النَّاحيَة الأَمْنِيَّةِ، وَإنْ كَانَت تَمْلكُ الأَسْلحَةَ الفَتَّاكَةَ،
وَالأَجْهزَةَ الدَّقيقَةَ؛ لأَنَّ الإنْسَانَ لاَ يُحْكَمُ بِالآلَةِ فَقَطْ،
وَإنَّمَا يُحْكَمُ بالشَّرْع العَادِلِ، وَالسُّلْطَان القَويِّ، كَمَا قَالَ
تَعَالَى: ﴿لَقَدۡ
أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ
لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِيدَ فِيهِ بَأۡسٞ شَدِيدٞ
وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ
إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ﴾
[الحديد: 25].
وَيُفْهَمُ الأَمْنُ مِنْ مَفْهُومِ الإسْلاَم؛ لأَنَّ الإسْلاَمَ: هُوَ الاسْتِسْلاَمُ للَّهِ بالخُضُوع لَهُ، وَامْتِثَالِ أَوَامِرِه، وَاجْتِنَاب مَنْهيَّاتِهِ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنِ التَّعَدِّي عَلَى النَّاس فِي أَعْرَاضِهِمْ وَأَمْوَالِهِم وَأَبْدَانِهِم، كَمَا قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» ([1]) وَمَنْ دَخَل فِي الإسْلاَم دَخَلَ فِي نِطَاقِ الأَمْن؛ لقَوْله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى