وَبِهَذَا الحَدِّ الرَّادع، وَسَحْب الثِّقَة
مِنَ القَاذِفِ، تُصَانُ الأَعْرَاضُ البَريئَةُ، وَتَسْكُتُ الأَفْوَاهُ
البَذيئَةُ، وَتَتَوَارَى آثَارُ هَذِهِ الجَريمَة، وَيُصْبحُ النَّاسُ فِي
مَأْمَنٍ منْهَا وَمن ذِكْرِهَا حَتَّى تَتَوَارَى مِنَ المُجْتَمَع نِهَائيًّا.
5-
وَلَمَّا كَانَ العَقْلُ أَعْظَمَ مَا يَمْتَازُ به الإنْسَانُ عَن غَيْره مِنَ
الحَيَوَانَات؛ لأَنَّهُ يُمَيِّزُ بَيْنَ الضَّارِّ وَالنَّافع، وَالحَسَن
وَالقَبِيحِ، وَيَدْفَعُ صَاحبَهُ إلَى فِعْلِ الفَضَائل، وَاجْتنَاب الرَّذَائل؛
وَلِذَا سُمِّيَ عَقْلاً؛ لأَنَّهُ يَعْقلُ صَاحبَهُ عَن فِعْلِ القَبَائحِ،
وَسُمِّيَ حِجْرًا؛ لأَنَّهُ يَحْجُرُهُ كَذَلكَ عَمَّا لاَ يَليقُ، وَسُمِّيَ
نُهًى وَلُبًّا، وَكُلُّهَا أَسْمَاءٌ تَدُلُّ عَلَى شَرَف العَقْلِ وَقيمَتِهِ؛
لأَنَّ فِيهِ أَمَانًا للإْنْسَان فِي خَاصَّة نَفْسِهِ من أَن يَنَالَهُ أَذًى من
غَيْره، وَأَمَانًا لغَيْره أَن يَنَالَهُ أَذًى منْهُ، فَمَن تَعَاطَى شَيْئًا
مِنَ الأَشْربَة أَو المَأْكُولاَت أَو المَشْمُومَات المُسْكرَة الَّتي تُغَطِّي
هَذَا العَقْلَ، وَتُعَطِّله عَنْ أَدَاء مَهَمَّته، وَالقيَام بوَظيفَتِهِ،
فَإنَّهُ فِي هَذِهِ الحَالَة لاَ يُؤْمَنُ أَن يَفْعَلَ مَا يَضُرُّ بنَفْسه أَوْ
بغَيْره؛ لأَنَّهُ فَقَدَ صِمَامَ الأَمَانِ، فَأَصْبَحَ خَطَرًا يُهَدِّدُ
المُجْتَمَعَ.
لذَلكَ،
شَرَعَ اللَّهُ رَدْعَهُ بإقَامَة الحَدِّ عَلَيْه بالجَلْد المُؤْلم حَتَّى
يَذُوقَ وَبَالَ أَمْره، وَليَتَّعظَ به غَيْرُهُ، وَقَد حَذَّرَ اللَّهُ عبَادَه
عَنْ شُرْب المُسْكرَات، وَبَيَّنَ خَطَرهَا وَضَرَرهَا، فَقَالَ سبحانه وتعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ
ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ
مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ٩٠إِنَّمَا
يُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُوقِعَ بَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ فِي ٱلۡخَمۡرِ
وَٱلۡمَيۡسِرِ وَيَصُدَّكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِۖ فَهَلۡ أَنتُم
مُّنتَهُونَ ٩١﴾ [المائدة: 90 - 91].
وَكَذَا
تَعَاطي المُخَدِّرَات؛ لأَنَّهَا أَشَدُّ ضَرَرًا من الخَمْر؛ لأَنَّهَا تُضِرُّ
بالعَقْلِ وَالجِسْمِ، وَتُفْقِدُ الرُّجُولَةَ، وَتُغْري بفِعْلِ الفَاحِشَةِ
وَالدَّيَاثة، وَتُغْري مُتَعَاطيهَا بالإدْمَان بحَيْثُ لاَ يَصْبرُ عَنْهَا،
وَيَتَحَوَّلُ منَ الإنْسَانيَّة