×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الأول

فَأَثْبَتَ للْعَبْد مَشيئَةً، لَكنَّهُ رَبَطَهَا بمَشيئَته سبحانه وتعالى، وَلهَذَا لَمَّا قَالَ رَجُلٌ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ، قَالَ: «جَعَلْتَنِي لِلهِ عِدْلاً، قُلْ: مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ شِئْتَ، أَوْ قُلْ: مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ» ([1]).

·       تَفْسير بَعْض الطَّوَائف لمَعْنَى القَدَر:

·       انْحَرَفَ في تَفْسير بَابِ القَدَر طَوَائفُ عدَّةٌ، منْهَا:

الطَّائفَةُ الأُولَى: الجَهْميَّة الجَبْريَّة:

فَقَالُوا: إنَّ العَبْدَ مَجْبُورٌ عَلَى فِعْلِهِ، لاَ اخْتيَارَ لَهُ، وَلاَ قُدْرَة، وَلاَ إرَادَة، العَبْدُ مِثْل الرِّيشَة في الهَوَاء، وَمِثْل وَرَقَة الشَّجَرَة، تُحَرِّكهَا الرِّيَاح بغَيْر إرَادَةٍ منْهَا، وَلاَ اخْتيَار، هَذَا مَا تَقُولُهُ الجَبْريَّةُ منَ الجَهْميَّة.

وَالطَّائفَةُ الثَّانيَةُ: عَلَى النَّقِيضِ، وَهُمُ المُعْتَزلَة:

قَالُوا: إنَّ كُلَّ إنْسَانٍ يَخْلُقُ فِعْلَ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ للَّه تَدْبيرٌ، وَلاَ إرَادَة بفِعْلِ العَبْد، وَإنَّمَا العَبْدُ هُوَ الَّذي يَفْعَلُ الشَّيْءَ باخْتيَاره وَقُدْرَته اسْتقْلاَلاً، لاَ ارْتبَاطَ لَهُ بمَشيئَة اللَّه، حَتَّى غَلاَ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ الأَشْيَاءَ قَبْلَ كَوْنهَا، وَإنَّمَا العَبْدُ هُوَ الَّذي يَسْتَأْنفُهَا، وَلهَذَا يَقُولُونَ: الأَمْرُ أُنفٌ. وَهَؤُلاَء غُلاَة المُعْتَزلَة، وَيُسَمَّونَ بالقَدَريَّة النُّفَاة.

الطَّائفَةُ الأُولَى تُسَمَّى بالجَبْريَّة، وَهَؤُلاَء: بالقَدَريَّة النُّفَاة.

الطَّائفَةُ الأُولَى أَثْبَتُوا القَدَرَ وَغَلَوْا فيه، وَسَلَبُوا العَبْدَ إرَادَتَهُ.

وَالطَّائفَةُ الثَّانيَةُ: وَهُمُ المُعْتَزلَة عَلَى النَّقيض، غَلَوْا في مَشيئَة العَبْد وَإثْبَات مَشيئَة العَبْد حَتَّى أَلْغَوْا مَشيئَةَ اللَّه وَإرَادَته.

وَكلاَ الطَّرَفَيْن ضَالٌّ وَمُخْطئٌ خَطَأً عَظيمًا.


الشرح

([1])  أخرجه: أحمد رقم (1839)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) رقم (783).