×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الأول

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فِي ٱلۡبَحۡرِ ضَلَّ مَن تَدۡعُونَ إِلَّآ إِيَّاهُۖ فَلَمَّا نَجَّىٰكُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ أَعۡرَضۡتُمۡۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ كَفُورًا [الإسراء: 67].

إنَّ مُعْتَنقَ هَذَا النَّوْع منَ التَّوْحيد لاَ يَدْخُلُ في الإسْلاَم، وَلاَ يَنْجُو منَ النَّار، فَالكُفَّارُ عَلَى سَبِيل المِثَالِ أَقَرُّوا بتَوْحِيدِ الرُّبُوبيَّة، وَلَكنَّ إقْرَارَهُم بذَلكَ لَم يُدْخِلْهُم في الإسْلاَم، وَسَمَّاهُم اللَّهُ مُشْرِكِينَ وَكُفَّارًا، وَحَكَمَ لَهُم بالخُلُود فِي النَّار مَعَ أَنَّهُمْ يُقرُّونَ بتَوْحِيدِ الرُّبُوبيَّة.

وَمِنْ هُنَا يُخْطئُ بَعْضُ المُصَنِّفينَ في العَقَائد - عَلَى طَريقَة أَهْل الكَلاَم - حينَ يُفَسِّرُونَ التَّوْحيدَ بأَنَّهُ الإقْرَارُ بوُجُود اللَّه، وَأَنَّهُ الخَالقُ الرَّازقُ إلَى غَيْر ذَلكَ، فَنَقُولُ لَهُمْ: هَذِهِ لَيْسَت العَقيدَة الَّتي بَعَثَ اللَّهُ بهَا النَّبيِّينَ؛ فَإنَّ الكُفَّارَ وَالمُشْركينَ، وَحَتَّى إِبْليسُ يُقرُّونَ بتَوْحيد الرُّبُوبيَّة.

فَالكُلُّ يُقرُّ وَيَعْتَرفُ بهَذَا النَّوْع منَ التَّوْحِيدِ؛ فَإنَّ الرُّسُلَ مَا جَاءَت تُطَالبُ النَّاسَ بأَنْ يُقرُّوا بأَنَّ اللَّهَ هُوَ الخَالقُ الرَّازقُ المُحْيي المُميتُ؛ لأَنَّ هَذَا لاَ يَكْفي، وَلاَ يُغْنِي مِنْ عَذَاب اللَّه.

النَّوْعُ الثَّاني: تَوْحيدُ الأُلُوهيَّة:

هُوَ تَوْحيدُ العبَادَة، تَوْحيدُ الإرَادَة وَالقَصْد، وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ مَحَطُّ الرِّحَال، وَمَحَلُّ الخُصُومَة بَيْنَ الرُّسُل وَأُمَمهمْ، فَكُلُّ رَسُولٍ جَاءَ يَقُولُ لقَوْمِهِ: ﴿يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓ [الأعراف: 59] وَلاَ يَقُولُ لَهُمْ: يَا قَوْمِ، أَقِرُّوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ رَبُّكُمْ؛ لأَنَّهُم مُقِرُّونَ بهَذَا، وَلَكنَّهُم يُطَالبُونَهُم بأَنْ يَعْبُدُوا رَبَّهُم الَّذي أَقَرُّوا برُبُوبيَّته، وَأَنَّهُ الخَالقُ وَحْدَهُ، وَالرَّازقُ وَحْدَه، وَالَّذي يُدَبِّرُ الأَمْرَ وَحْدَهُ، وَيُطَالبُونَهُم بأَنْ يُفْرِدُوهُ بالعِبَادَةِ وَحْدَه، كَمَا أَفْرَدُوهُ بالخَلْق وَالتَّدْبير، فَهُمْ يَحْتَجُّونَ عَلَيْهم بمَا أَقَرُّوا به.


الشرح