×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الأول

يَذْكرُ القُرْآنُ الكَريمُ تَوْحيدَ الرُّبُوبيَّة من بَابِ الاحْتجَاج بِهِ عَلَى الكُفَّار وَمُطَالَبَتهم بِمَا يَلْزَمُهُمْ، فَمَا دُمْتُم -أَيُّهَا الكُفَّارُ- مُعْتَرفينَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الخَالقُ وَحْدَهُ، وَهُوَ الرَّازقُ وَحْدَهُ، وَهُوَ الَّذي يُنْجي منَ المَهَالك، وَهُوَ الَّذي يُنْجي منَ الشَّدَائدِ، فَلمَاذَا تَعْدلُونَ به غَيْره مِمَّنْ لاَ يَخْلُقُ، وَلاَ يَرْزُقُ، وَلَيْسَ لَهُ منَ الأَمْر شَيْءٌ، وَلاَ لَهُ فِي الخَلْق تَدْبيرٌ؟ ﴿أَفَمَن يَخۡلُقُ كَمَن لَّا يَخۡلُقُۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [النحل: 17].

إذًا، تَوْحيدُ الأُلُوهيَّة هُوَ الَّذي دَعَا إلَيْه الرُّسُل، وَطَالَبُوا قَوْمَهُم بِهِ، وَلاَ يَزَالُ الصِّرَاعُ بَيْنَ أَهْل التَّوْحيد وَأَهْل الانْحرَاف في هَذَا النَّوْع حَتَّى الآنَ، فَأَهْلُ العَقيدَة السَّليمَة يُطَالبُونَ مَنِ انْحَرَفَ عَنِ تَوْحِيدِ الأُلُوهيَّة، وَعَادَ إلَى دِينِ المُشْركينَ بعِبَادَة القُبُور وَالأَضْرحَة، وَتَقْديس الأَشْخَاص وَمَنْحهم شَيْئًا مِنْ خَصَائص الرُّبُوبيَّة. وَأَهْلُ التَّوْحيد يُطَالبُونَ هَؤُلاَء بأَنْ يَرْجعُوا إلَى العَقيدَة السَّليمَة، وَأَن يُفْرِدُوا اللَّهَ بالعِبَادَاتِ، وَأَن يَتْرُكُوا هَذَا الأَمْرَ الخَطيرَ الَّذي هُمْ عَلَيْه؛ لأَنَّ هَذَا هُوَ دِينُ الجَاهليَّة، بَلْ هُوَ أَشَدُّ من دِينِ الجَاهليَّة؛ لأَنَّ أَهْلَ الجَاهليَّة كَانُوا يُخْلِصُونَ للَّهِ في حَال الشِّدَّة، وَيُشْركُونَ في حَالِ الرَّخَاء.

أَمَّا هَؤُلاَء - أَهْلُ الانْحرَاف - فَإنَّ شِرْكَهُم دَائمٌ في الرَّخَاء وَالشِّدَّة، بَلْ إنَّ شِرْكَهُم في الشِّدَّة أَشَدُّ، فَإذَا اشْتَدَّ عَلَيْهم الأَمْرُ، تَسْمَعُ مِنْهُم طَلَبًا بالمَدَد مِنَ الأَوْليَاء وَالمَقْبُورينَ، وَالمَوْتَى، بَيْنَمَا المُشْركُونَ إذَا مَسَّهُمُ الضُّرُّ، أَخْلصُوا الدُّعَاءَ للَّه عز وجل.

هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّاني من أَنْوَاع التَّوْحِيدِ، وَهُوَ الَّذي طَالَبَت به الرُّسُلُ جَميعَ الأُمَم بأَنْ يُخْلِصُوا للَّه عز وجل، وَهُوَ الَّذي وَقَعَ النِّزَاعُ فيه، وَهُوَ الَّذي قَاتَلَ عَلَيْه رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم المُشْركينَ حَتَّى يَتْرُكُوهُ.

وَهَذَا هُوَ مَعْنَى «لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ»؛ لأَنَّ الإلَهَ مَعْنَاهُ: المَعْبُودُ، فَمِنْ


الشرح