×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الأول

ثَانيًا: أَن يَكُونَ عَاملاً بمَا يَدْعُو إلَيْه، وَلاَ يَدْعُو النَّاسَ إلَى الخَيْر وَهُوَ لاَ يَعْمَلُ به، أَو يَنْهَى النَّاسَ عَن الشَّرِّ وَهُوَ يَقَعُ فيه، بَل يُلْزمُ نَفْسَهُ أَوَّلاً بعَمَل الصَّالحَات، وَتَرْك المُحَرَّمَات حَتَّى تَكُونَ دَعْوَتُهُ مُؤَثِّرَةً، وَحَتَّى تَكُونَ دَعْوَتُهُ سَائرَةً عَلَى الخَطِّ المُسْتَقيم.

هَذَا نَبيُّ اللَّه شُعَيْب عليه السلام يَقُولُ: ﴿وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أُخَالِفَكُمۡ إِلَىٰ مَآ أَنۡهَىٰكُمۡ عَنۡهُۚ إِنۡ أُرِيدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ وَمَا تَوۡفِيقِيٓ إِلَّا بِٱللَّهِۚ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ [هود: 88].

فَالَّذي يُريدُ الإصْلاَحَ في دَعْوَته، يَبْدَأُ بنَفْسِهِ أَوَّلاً؛ لهَذَا يَقُولُ الشَّاعرُ:

لاَ تَنْه عَن خُلُقٍ وَتَأْتي مِثْلَهُ **** عَارٌ عَلَيْكَ إذَا فَعَلتَ عَظيمُ

وَيَقُولُ الرَّاجزُ:

وَعَالِمٌ بعِلْمِهِ لَم يَعْمَلَنْ **** مُعَذَّبٌ من قَبْل عُبَّاد الوَثَنْ

هَذَا مَعْنَاهُ في الحَدِيثِ الصَّحيح: أَنَّ أَوَّلَ مَنْ تُسَعَّر بِهِم النَّارُ يَوْمَ القيَامَة عَالِمٌ لَم يَعْمَل بعِلْمِهِ؛ لأَنَّ مَنْ يَعْلَمُ لَيْسَ كَمَنْ لاَ يَعْلَمُ ﴿هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ [الزمر: 9]

وَلهَذَا، عَابَ اللَّهُ عَلَى أَحْبَار اليَهُود وَشَبَّههُم بالحَمير، وَشَبَّهَهُم بالكِلاَبِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ ثُمَّ لَمۡ يَحۡمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ يَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢاۚ بِئۡسَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ [الجمعة: 5].

فَهُمْ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ، وَلَكنَّهُم لَم يَحْملُوهَا حَقَّ حَمْلهَا، وَالدَّعْوَة إلَيْهَا وَتَبْليغهَا، وَإنَّمَا حَمَلُوهَا مُجَرَّد حَمْلٍ بِدُونِ عَمَلٍ؛ وَلهَذَا شَبَّهَهُم اللَّهُ بالحَمِير الَّتي تَحْملُ الكُتُبَ؛ فَإنَّ الحَميرَ إذَا حَمَلَت الكُتُبَ، فَإنَّهَا لاَ تَنْتَفعُ بهَا، وَلَكنَّهَا تَتَحَمَّلُ عَنْهَا عَنَاء ثِقْلهَا بدُونِ اسْتفَادَةٍ منْهَا، كَذَلكَ العَالِمُ الَّذي لاَ يَعْمَلُ بعِلْمِهِ مِثْلَ الحِمَارِ الَّذي يَحْملُ الكُتُبَ.


الشرح