×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الأول

قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ [يوسف: 108]، أَيْ: عَلَى عِلْمٍ، وَعَلَى مَعْرفَةٍ بمَا يَدْعُو إلَيْه، وَالدَّاعيَةُ يَجبُ عَلَيْه أَوَّلاً قَبْلَ أَن يَشْرَعَ في الدَّعْوَة أَن يَكُونَ عَلَى عِلْمٍ، وَعَلَى بَصيرَةٍ بمَا يَأْمُرُ به، وَبمَا يَنْهَى عَنْهُ، لاَ يَدْعُو النَّاسَ وَهُوَ يَجْهَلُ الأَحْكَامَ الشَّرْعيَّةَ، وَيَجْهَلُ مَسَائلَ الحَلاَل وَالحَرَام، لاَبُدَّ أَن يَعْرفَ المَعْرُوفَ من المُنْكَر، وَيَعْرف الحَقَّ من البَاطِلِ، وَيَعْرف الحَلاَلَ مِنَ الحَرَام حَتَّى يَكُونَ عَلَى بَصيرَةٍ، إذَا قَالَ: هَذَا الشَّيْءُ حَلاَلٌ، يَكُونُ عَلَى بَصيرَةٍ، وَإذَا قَالَ: هَذَا الشَّيْءُ حَرَامٌ، يَكُونُ عَلَى بَصيرَةٍ، وَإذَا قَالَ: هَذَا الشَّيْءُ مَشْرُوعٌ يَكُونُ عَلَى بَصيرَةٍ، وَإذَا قَالَ: هَذَا الشَّيْءُ مَمْنُوعٌ يَكُونُ عَلَى بَصيرَةٍ. وَأَمَّا الجَاهلُ فَإنَّهُ لاَ يَصْلُحُ للدَّعْوَة، بَل عَلَيْه أَن يَتَعَلَّمَ وَيَتَأَهَّل حَتَّى يُشَاركَ في الدَّعْوَة إلَى اللَّه، فَنَحْنُ نَقُولُ للْجَاهِلِ: تَعَلَّمْ، وَنَقُول للْمُتَعَلِّم: ادْعُ إلَى اللَّه بمَا عَلِمْتَ، وَبَصِّرِ النَّاس وَأَرْشِدْهُمْ بمَا فَهمْتَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ [يوسف: 108]، فَهَذَا دَليلٌ عَلَى أَنَّ أَتْبَاعَ الرَّسُول عَلَى الحَقيقَة هُمُ الَّذينَ يَدْعُونَ إلَى دينِهِ، وَيَدْعُونَ إلَى اللَّه سبحانه وتعالى، فَمِنْ أَعْظَمِ الاقْتدَاء بالاتِّبَاع للرَّسُول صلى الله عليه وسلم الدَّعْوَةُ إلَى اللَّه عز وجل، وَالدَّعْوَةُ إلَى اللَّه أَفْضَلُ الأَعْمَال، كَمَا قَالَ جل وعلا: ﴿وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ [فصلت: 33] فَلاَ أَحَدَ أَحْسَن قَوْلاً ممَّن دَعَا إلَى اللَّه، وَعَمِلَ صَالحًا.

كَذَلكَ مِنْ وَاجبَات الدَّاعيَة: أَن يَعْمَلَ بمَا يَدْعُو إلَى اللَّهِ في نَفْسِهِ أَوَّلاً، وَلاَ يَدْعُو النَّاسَ إلَى العَمَل الصَّالح وَهُوَ لاَ يَعْمَلُ به، قَالَ اللَّهُ جل وعلا ﴿أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ وَأَنتُمۡ تَتۡلُونَ ٱلۡكِتَٰبَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ [البقرة: 44].

فَوَاجبُ الدَّاعيَة أَوَّلاً: أَنْ يَكُونَ عَلَى بَصيرَةٍ، وَعَلَى عِلْمٍ وَمَعْرفَةٍ.


الشرح