وَاللَّهُ جل وعلا عَابَ عَلَى اليَهُود عَلَى
هَذِهِ الخَصْلَة الذَّميمَة: ﴿أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ
أَنفُسُكُمُ ٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ فَفَرِيقٗا كَذَّبۡتُمۡ وَفَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ﴾ [البقرة: 87].
فَوَاجِبُ
العَالِمِ أَنْ يَكُونَ عَامِلاً بعِلْمِهِ، وَإنْ خَالَفَ هَوَاهُ، وَأَنْ
يَكُونَ قَصْدُهُ وَنيَّتُهُ للَّه عز وجل، لاَ للرِّيَاء، وَلاَ للسُّمْعَة،
فَإذَا اجْتَمَعَ عِلْمٌ وَدَعْوَةٌ إلَى اللَّه، وَإخْلاَص وَتَقْوَى، حَصَلَ
الخَيْرُ الكَثيرُ، وَحَصَلَ النَّفْعُ الغَزيرُ.
وَرُبَّمَا
يَكُونُ رَجُلٌ وَاحدٌ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَات يُعَادلُ آلاَفًا مُؤَلَّفَة
من البَشَر، كَمَا قَالَ الشَّاعرُ:
وَالنَّاسُ أَلْفٌ مِنْهُم كَوَاحدٍ **** وَوَاحِدٌ
كَالأَلف إنْ أَمْرٌ عَنَى
وَلهَذَا،
نَجدُ بَعْضَ الدُّعَاة إلَى اللَّهِ شَخْصًا وَاحدًا يَهْتَدي بسَبَبه أَجْيَالٌ
حَاضرَةٌ، وَأَجْيَالٌ لاَحقَةٌ بسَبَب بَرَكَة دَعْوَته وَعِلْمِهِ، وَهُوَ
رَجُلٌ وَاحدٌ، لمَاذَا؟ لأَنَّهُ أَخْلَصَ للَّه عز وجل، وَدَعَا إلَى اللَّهِ
عَلَى بَصيرَةٍ، وَكَانَتْ آثَارُ دَعْوَتِهِ مُبَارَكَةً.
وَنَجِدُ
آلاَفًا منَ الدُّعَاة، وَلَكن لَيْسَ لدَعْوَتهم تَأْثيرٌ، مَعَ أَنَّهُم
يُجِيدُونَ القَوْلَ، وَيُجيدُونَ الخَطَابَةَ، وَيُجيدُونَ الكتَابَةَ أَكْثَرَ
ممَّا يُجيدُهَا هَذَا الشَّخْصُ الَّذي ذَكَرْنَاهُ، لمَاذَا؟ لأَنَّ المَدَارَ
عَلَى النِّيَّة وَالمَقَاصد.
وَكُلُّ الآيَات جَاءَ الأَمْرُ فيهَا بالدَّعْوَة إلَى اللَّه عز وجل، وَلاَ تَكُونُ دَعْوَة إلَى اللَّه إلاَّ إذَا كَانَت بإخْلاَصٍ، وَلهَذَا يَقُولُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْد الوَهَّاب في بَعْض المَسَائل في كِتَابِ «التَّوْحِيدِ» عَلَى قَوْله تَعَالَى: ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ﴾ [يوسف: 108] قَالَ: الثَّانيَةُ: التَّنْبيهُ عَلَى الإخْلاَص؛ لأَنَّ كَثيرًا مِنَ الدُّعَاة لَو دَعَا إلَى الحَقِّ، فَهُوَ يَدْعُو إلَى نَفْسه.