يَدْعُو إلَى اللَّه، وَصَبَرَ وَصَابرَ حَتَّى
انْجَابت الظُّلُمَات، وَأَشْرَقَت رسَالَتُهُ في الكَائنَات عليه الصلاة والسلام،
وَمَا تَرَكُوا مُمْكنًا مَعَهُ إلاَّ فَعَلُوهُ، يُريدُونَ صَدَّ دَعْوَته،
وَيُريدُونَ وَأْدَهَا في مَهْدهَا، حَتَّى أَنَّهُم أَغْرَوْهُ بالمَال
وَبالرِّيَاسَة بَعْدَمَا هَدَّدُوهُ بالقَتْل، وَهَدَّدُوهُ بالمُخَوِّفَات،
لَجَئُوا مَعَهُ إلَى الإغْرَاء بالمَادِّيَّات، وَأَغْرَوْهُ بأَنْ يُعْطُوهُ منَ
المَال كَذَا، وَأَنْ يُعَالجُوهُ إذَا كَانَ مُصَابًا، وَأَنْ يُزَوِّجُوهُ منَ
النِّسَاء، وَأَنْ يُمَلِّكُوهُ إنْ كَانَ يُريدُ مُلْكًا.
فَعَرَضَ
عَلَيْه عَمُّه أَبُو طَالِبٍ - بطَلَبٍ مِنْهُم - هَذِهِ المَعْرُوضَات، فَقَالَ:
«يَا عَمِّي، وَاللَّهِ، لَو وَضَعُوا
الشَّمْسَ في يَمِينِي، وَالقَمَر فِي شِمَالِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا
الأَمْرَ لَنْ أَتْرُكَهُ حَتَّى يُظْهرَهُ اللَّهُ أَوْ أَهْلكَ دُونَهُ» ([1]).
هَذَا
مَوْقفُهُ صلى الله عليه وسلم، فَالحَقُّ إذَا قَامَ به أَهْلُهُ قيَامًا صَحيحًا
- وَإنْ كَانَ أَهْلُهُ قِلَّةً - فَسَوْفَ يَنْتَصرُ، وَلَو لَمْ يَكُن عَلَى
الحَقِّ إلاَّ وَاحدٌ صَادقٌ؛ فَإنَّ اللَّهَ يَنْصُرُهُ عَلَى أَهْل البَاطِلِ
كُلِّهمْ، وَإنْ تَسَاعدُوا وَتَعَاوَنُوا وَتَعَاضَدُوا؛ لأَنَّ الحَقَّ لاَ
يَقفُ أَمَامَهُ بَاطلٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَٰطِلِ فَيَدۡمَغُهُۥ
فَإِذَا هُوَ زَاهِقٞۚ﴾
[الأنبياء: 18].
شواهد واقعية
****
وَبالتَّجْربَة وَالوَاقع، وَاقْتدَاءً برَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَبمَنْ بَعْدهُ منَ الدُّعَاة المُخْلِصِينَ فِي العُصُور وَالدُّهُور، نَجدُ أَنَّ آثَارَ دَعْوَة الصَّالحينَ تَبْقَى، وَنَجدُ أَنَّ البَاطلَ يَنْقَطعُ وَيَضْمَحلُّ وَيَفْنَى، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ.
([1]) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (2/101).