هَذَا الإمَامُ أَحْمَدُ - كَمَا تَعْلَمُونَ -
قَامَت السُّلْطَةُ ضدَّهُ، وَقَامَت كُلُّ الدَّوْلَة ضدَّهُ، أَرَادُوا أَن
يَحْملُوهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بخَلْق القُرْآن، وَلَكنَّهُ ثَبَت وَصَبَر عَلَى
الضَّرْب وَالجَلْد وَالحَبْس حَتَّى نَصَره اللَّهُ عز وجل، وَبَقِيَ قَوْلُهُ
هُوَ الحَقُّ، وَانْدَحَرَ كُلُّ مَا بأَيْدي أَهْل البَاطِلِ من القُوَّة
وَالحُجَج، وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَبَقِيَ الحَقُّ وَاضحًا.
شَيْخُ
الإسْلاَم ابْنُ تَيْمية - كَمَا تَعْرفُونَ - في وَقْته كَانَت حَالَةُ
المُسْلمينَ أَسْوَأَ حَالَةً منَ التَّفَكُّك وَالضَّيَاع وَظُهُور
الوَثَنيِّينَ، وَكَانَ هُنَاكَ أَنْوَاعٌ منَ الفَسَاد في العَقَائد، وَفي
العبَادَات، وَفي المُعَامَلاَت، لَكنَّهُ جَادَلَ وَنَاظَرَ وَكَتَبَ وَأَلَّفَ،
فَبَقيَتْ - وَالحَمْدُ للَّه - دَعْوَتُهُ، لاَ تَزَالُ إلَى الآنَ آثَارُهَا
صَالحَةً وَمُسْتَنيرَةً.
وَكُتُبهُ
إلَى الآنَ هِيَ الَّتي تَظْهَرُ بَيْنَ كُلِّ وَقْتٍ وَآخَرَ، وَيَنْتَفعُ بهَا
الآلاَفُ منَ النَّاس، وَيَفْرَحُونَ بهَا، كُلَّمَا عَثَرُوا عَلَى مَخْطُوطٍ
أَوْ عَلَى مُؤَلَّفٍ، فَرحُوا بذَلكَ فَرَحًا شَديدًا، وَبَادَرُوا إلَى نَشْره
وَطَبْعه، وَكَمْ بَيْنَهُم وَبَيْنَهُ مِنَ السِّنينَ، وَلَيْسَ بَيْنَهُم
وَبَيْنَهُ نَسَبٌ، وَلَيْسَ هُنَاكَ قَرَابَةٌ أَو صَدَاقَةٌ، وَإنَّمَا هُوَ
الحَقُّ، فَالحَقُّ يَبْقَى.
وَأَمَّا
البَاطلُ، فَإنَّهُ يَضْمَحِلُّ، أَيْنَ خُصُومُ شَيْخ الإسْلاَم ابْن تَيْميَة؟
أَيْنَ مُؤَلَّفَاتُهُمْ؟ أَيْنَ حُجَجُهُم وَعَويلُهُمْ؟ كُلُّهُ - وَالحَمْدُ
للَّه - ذَهَبَ أَدْرَاج الرِّيَاح، وَإنْ بَقِيَ منْهُ شَيْءٌ، فَإنَّهُ تَافهٌ
لاَ يُلْتَفتُ إلَيْه.
أَمَّا دَعْوَةُ شَيْخ الإسْلاَم وَمُؤَلَّفَاته، فَهيَ - وَالحَمْدُ للَّه - تَتَجَدَّدُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَفْرَحُ النَّاسُ وَطَلَبَةُ العِلْمِ بهَا، وَيَدْعُونَ لَهُ، كُلُّ هَذَا من آثَار الإخْلاَص، وَإلاَّ فَهُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ كَانَ في عَصْره مِنَ العُلَمَاء العَدَدُ الكَبيرُ، وَلَكن لَم يَقُومُوا مَقَامَهُ في الصَّبْر وَالثَّبَات وَالدَّعْوَة وَالمُصَابَرَة، فَكَانَت العَاقبَةُ كَمَا تَرَوْنَ.