×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الأول

الحَاصلُ: أَنَّ هَذِهِ نَمَاذجُ، وَأَعْلَى النَّمَاذج هُوَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَاللَّهُ جل وعلا يَقُولُ: ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا [الأحزاب: 21].

فَرَأْسُ القُدْوَةِ، وَأَعْظَمُ الدُّعَاةِ، هُوَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، نَقْتَدي به، وَنَتَأَسَّى به، وَنَدْرُسُ سِيرَتَه، وَنَدْرُسُ آثَارَهُ عليه الصلاة والسلام في دَعْوَته وَأُسْلُوبه، في دَعْوَته للنَّاس، وَكَيْفَ وَاجَهَ البَاطلَ، وَكَيْفَ وَاجَهَ أَهْلَ الضَّلاَل بالسِّلاَح، وَبالحُجَّة حَتَّى أَظْهَرَ اللَّهُ دينَهُ، ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ [التوبة: 33].

وَقَد أَظْهَرَ اللَّهُ دينَهُ وَالحَمْدُ للَّه، وَذَهَبَ البَاطلُ وَإنْ كَانَ عَلَيْه أَكَابرُ النَّاس وَعِلْيتُهُمْ، وَإنْ كَانَت عَلَيْه أُمَمُ أَهْل الأَرْض مِنَ اليَهُود وَالنَّصَارَى وَالمَجُوس وَالوَثَنيِّينَ، كُلُّهَا ذَهَبَتْ وَالحَمْدُ للَّه، بمَعْنَى أَنَّهَا بَطَلَتْ، وَإلاَّ فَالكُفْرُ وَالضَّلاَلُ بَاقيَان، وَلَكنَّهُمَا بَطَلاَ في مُقَابَلَة الحَقِّ، وَكُلَّمَا ظَهَرَ الحَقُّ، اضْمَحَلَّ البَاطلُ وَانْخَذَل، وَكُلَّمَا ضَعُفَ الحَقُّ بسَبَب ضَعْف أَهْلِهِ؛ فَإنَّ البَاطلَ قَدْ يَرْتَفعُ مُؤَقَّتًا ابتْلاَءً وَامْتحَانًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَاْ بَعۡضَكُم بِبَعۡضٖۗ [محمد: 4].

فَالمُدَاوَلاَتُ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطل لَيْسَت مُسْتَغْرَبَةً، إنَّمَا الَّذي يُسْتَغْرَبُ هُوَ ضَعْفُ المُسْلِمِينَ، وَإخْلاَدُ المُسْلِمِينَ، وَتَخَاذُل المُسْلِمِينَ وَمَعَهُم الحَقُّ.

وَالَّذي يُسْتَغْربُ هُوَ صُمُودُ أَهْل البَاطِلِ، وَتَكَاتُف أَهْلِ البَاطِلِ وَلَيْسَ مَعَهُم غَيْرُ البَاطِلِ، فَأَهْلُ البَاطِلِ إنَّمَا يَعِيشُونَ في الظَّلاَم، إذَا اخْتَفَى النُّورُ ظَهَرَ أَهْلُ البَاطِل؛ لأَنَّهُم لاَ يَعيشُونَ إلاَّ فِي الظَّلاَم.

أَمَّا إذَا ظَهَرَ النُّورُ؛ فَإنَّ أَهْلَ البَاطِلِ يَخْتَفُونَ، وَالنُّورُ هُوَ الحَقُّ، وَالَّذي يُظْهِرُ النُّورَ إنَّمَا هُمْ أَهْلُهُ المُتَمَسِّكُونَ به، نَسْأَلُ اللَّهَ سبحانه وتعالى أَن يَجْعَلَنَا


الشرح