وَفي الثَّانيَة يَقْرَأُ سُورَةَ الإخْلاَص؛
لِمَا تَشْتَملُ عَلَيْه هَاتَان السُّورَتَان مِنْ تَوْحِيدِ الرُّبُوبيَّة
وَتَوْحِيدِ الأُلُوهيَّة، فَفِي السُّورَة الأُولَى البَرَاءَة من دِينِ
المُشْركينَ، وَإفْرَاد اللَّهِ بالعِبَادَة، وَفي السُّورَة الثَّانيَة إفْرَاد
اللَّهِ بصِفَاتِ الكَمَال، وَتَنْزيهه عَنْ صِفَاتِ النَّقْص، وَبذَلكَ يَعْرفُ
العَبْدُ رَبَّهُ، وَيُخْلِصُ لَهُ بالعِبَادَةِ، وَيَتَبَرَّأُ من عِبَادَةِ مَا
سِوَاهُ من خِلاَلِ هَذَا الدَّرْس العِلْميِّ العَظِيمِ.
وَمِنْ
مَظَاهِرِ تَوْحيد العِبَادَةِ في السَّعْي بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَة أَنَّ العَبْدَ
يَسْعَى بَيْنَهُمَا؛ امْتثَالاً لقَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِۖ
فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَيۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ أَن يَطَّوَّفَ
بِهِمَاۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 158].
وَمِنْ
ذَلكَ يَتَعَلَّمُ المُسْلِمُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ السَّعْيُ في أَيِّ مَكَانٍ
مِنَ الأَرْض إلاَّ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَة؛ لأَنَّهُمَا مِنْ شَعَائِرِ
اللَّه، وَأَنَّ السَّعْيَ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هُوَ بأَمْرِ اللَّهِ، فَكُلُّ
سَعْيٍ في غَيْرِهِمَا، فَلَيْسَ عِبَادَةً للَّهِ؛ لأَنَّهُ سَعَى بغَيْر
أَمْرِهِ، وَبغَيْر شَعَائرِهِ.
وَمِنْ
مَظَاهِرِ تَوْحِيدِ العِبَادَةِ في الحَجِّ: مَا شَرَعَهُ اللَّهُ في يَوْم
العِيدِ وَأَيَّام التَّشْريق من ذِكْرِه وَحْدَه، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ
فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡدُودَٰتٖۚ﴾
[البقرة: 203].
وَذِكْرُ
اللَّه فِي هَذِهِ الأَيَّام يَتَجَلَّى في الأَعْمَال العَظيمَة الَّتي تُؤَدَّى
في أَيَّام مِنًى؛ مِنْ رَمْي الجِمَارِ، وَذَبْح الهَدْي، وَأَدَاءِ الصَّلَوَات
الخَمْس فِي هَذَا الشَّهْر المُبَارَك، وَالأَيَّام المُبَارَكَة، كُلُّ هَذِهِ
الأَعْمَال ذِكْرٌ للَّهِ عز وجل.
فَرَمْيُ
الجِمَارِ ذِكْرٌ للَّهِ؛ وَلهَذَا يَقُولُ المُسْلمُ عنْدَ رَمْي كُلِّ حَصَاةٍ: «اللَّهُ أَكْبَرُ»، وَذَبْحُ الهَدْي
ذِكْرٌ للَّه عز وجل، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ
مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۖ﴾ [الحج: 28]،