فَهَذَا إعْلاَنٌ في هَذَا المَجْمَع العَظِيمِ،
وَفي هَذَا اليَوْم المُبَارَك لتَوْحِيدِ العِبَادَةِ مِنْ خِلاَلِ النُّطْق
بِهَذِهِ الكَلمَة وَتَكْرَارهَا؛ لأَجْل أَنْ يَسْتَشْعِرَ الحَاجُّ
مَدْلُولَهَا، وَيَعْمَل بمُقْتَضَاهَا، فَيُؤَدِّي أَعْمَالَ حَجَّةٍ خَالِصَةٍ
للَّه عز وجل مِنْ جَمِيعِ شَوَائِبِ الشِّرْكِ.
وَمِنْ
مَظَاهِرِ تَوْحِيدِ العِبَادَةِ في الحَجِّ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بالطَّوَاف
ببَيْتِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلۡيَطَّوَّفُواْ بِٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ﴾ [الحج: 29]، ممَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ
خَاصٌّ بهَذَا البَيْت، فَلاَ يَجُوزُ الطَّوَافُ ببَيْتٍ غَيْره عَلَى وَجْه
الأَرْض، لاَ بالأَضْرحَة، وَلاَ بالأَشْجَار وَالأَحْجَار، وَمِنْ هُنَا يَعْلَمُ
الحَاجُّ أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ بغَيْر البَيْت العَتِيقِ فَهُوَ بَاطلٌ، وَلَيْسَ
عِبَادَةً لَهُ عز وجل، وَإنَّمَا هُوَ عِبَادَةٌ لمَنْ شَرَعَهُ وَأَمَرَ به من
شَيَاطِينِ الإنْسِ وَالجنِّ، وَمِنْ مَظَاهِرِ تَوْحِيدِ العِبَادَةِ في
الطَّوَاف بالبَيْت العَتِيقِ أَنَّ الطَّائفَ حِينَ يَسْتَلمُ الرُّكْنَ اليَمَانيَّ
وَالحَجَرَ الأَسْوَدَ يَعْتَقدُ أَنَّهُ يَسْتَلمُهُمَا؛ لأَنَّهُمَا مِنْ
شَعَائِرِ اللَّه، فَهُوَ يَسْتَلمُهُمَا طَاعَةً للَّه، وَاقْتدَاءً برَسُولِهِ
صلى الله عليه وسلم، وَلهَذَا قَالَ أَميرُ المُؤْمنينَ عُمَرُ بْن الخطَّاب رضي
الله عنه حينَمَا اسْتَلَمَ الحَجَرَ وَقَبَّلَهُ: وَاللَّهِ، إنِّي لأَعْلَمُ
أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَنْفَعُ، وَلاَ تَضُرُّ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ
اللَّه صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ.
وَمِنْ
هُنَا يَعْلَمُ المُسْلمُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ التَّمَسُّحُ بشَيْءٍ مِنَ
الأَبْنيَةِ وَالأَحْجَار إلاَّ بالرُّكْن اليَمَانيِّ وَالحَجَر الأَسْوَد، فَلاَ
يَتَمَسَّحُ بالأَضْرحَة، وَلاَ بغَيْرهَا؛ لأَنَّ ذَلكَ مُخَالفٌ لشَرْع اللَّه،
وَلأَنَّهَا لَيْسَتْ من شَعَائِرِ اللَّه.
وَمِنْ
مَظَاهِرِ تَوْحيد العَادَة في الحَجِّ أَنَّ الحَاجَّ حينَمَا يَفْرُغُ مِنَ
الطَّوَاف، وَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْن، فَإنَّهُ يَقْرَأُ في الأُولَى بَعْدَ
الفَاتحَة سُورَة: ﴿قُلۡ
يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ﴾
[الكافرون: 1]