﴿وَتَزَوَّدُواْ﴾ [البقرة: 197]، وَقَد كَانَ نَاسٌ يَحُجُّونَ بِلاَ
زَادٍ وَيَقُولُونَ: نَحْنُ المُتَوَكِّلُونَ، فَيُصْبحُونَ عَالَةً عَلَى
النَّاس، وَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ باتِّخَاذ الزَّاد الحسِّيِّ لسَفَر
الدُّنْيَا، أَمَرَ باتِّخَاذ الزَّاد المَعْنَويِّ لسَفَر الآخِرَةِ، فَقَالَ: ﴿فَإِنَّ خَيۡرَ
ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ﴾
[البقرة: 197]
وَمَنْ
تَرَكَ هَذَا الزَّادَ، انْقَطَعَ عَنِ الوُصُول إلَى الجَنَّة، وَخَتَمَ
سُبْحَانَهُ الآيَةَ بقَوْله: ﴿وَٱتَّقُونِ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ﴾ [البقرة: 197] وَهَذَا نِدَاءٌ عَامٌّ لأَصْحَاب
العُقُول أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ في الحَجِّ وَغَيْره.
وَقَدْ
أَمَرَ اللَّهُ بأَدَاءِ الحَجِّ وَالعُمْرَة خَالِصَيْنِ لَهُ، فَقَالَ
سُبْحَانَهُ: ﴿وَأَتِمُّواْ
ٱلۡحَجَّ وَٱلۡعُمۡرَةَ﴾
[البقرة: 196] ممَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ لاَ يَتَوَفَّرُ
فِيهِمَا التَّوْحيدُ، فَلَيْسَا مَقْبُولَيْن عِنْدَ اللَّهِ، وَقَدْ جَعَلَ
اللَّهُ مَنَاسكَ الحَجِّ مَظَاهرَ لتَوْحيدِهِ.
فَمِنْ
مَظَاهِرِ التَّوْحيد فِي الحَجِّ: رَفْعُ الصَّوْت بَعْدَ الإحْرَام بالتَّلْبيَة
للَّه، وَنَفْيُ الشَّرِيكِ عَنْهُ، وَإعْلاَن انْفرَادِهِ بالحَمْد وَالنِّعْمَة
وَالمُلْك: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ
لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَريكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ
لَكَ وَالمُلْكُ»، يُرَدِّدُهَا الحُجَّاجُ بَيْنَ كُلِّ فَتْرَةٍ وَأُخْرَى
حَتَّى يَشْرَعُوا في أَدَاء المَنَاسِكِ.
وَمِنْ مَظَاهِرِ تَوْحِيدِ العِبَادَةِ في الحَجِّ أَنَّ أَعْظَمَ الذِّكْر الَّذي يُقَالُ في يَوْم عَرَفَةَ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، كَمَا قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ([1]).
([1]) أخرجه: الترمذي رقم (3585).