وَأَمَّا الجِدَالُ: فَهُوَ المُخَاصَمَةُ
وَالمُمَارَاة وَالمُنَازعَة، وَهُوَ يَشْمَلُ الجدَالَ بمَعْنَى المُخَاصَمَة
الَّتي تُوغِرُ الصُّدُورَ، وَتَشْغَلُ عَن ذِكْرِ اللَّه.
قَالَ
الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَن بْن السِّعْدي: «وَقَوْله: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلۡحَجِّۗ﴾ [البقرة: 197]، أَيْ: يَجبُ أَنْ تُعظِّمُوا الإحْرَامَ
بالحَجِّ، وَخُصُوصًا الوَاقعَ في أَشْهُرِهِ، وَتَصُونُوه عَن كُلِّ مَا
يُفْسدُهُ أَو يُنْقصُهُ مِنَ الرَّفَث - وَهُوَ الجِمَاعُ وَمُقَدِّمَاتُهُ
الفِعْليَّةُ وَالقَوْليَّةُ، خُصُوصًا عِنْدَ النِّسَاء بحَضْرَتهنَّ -
وَالفُسُوق وَهُوَ جَميعُ المَعَاصي وَمِنْهَا مَحْظُورَاتُ الإحْرَام.
وَالجِدَالُ:
وَهُوَ المُمَارَاةُ وَالمُنَازعَةُ وَالمُخَاصمَةُ لِكَوْنهَا تُثِيرُ الشَّرَّ،
وَتُوقِعُ العَدَاوَةَ، وَالمَقْصُودُ مِنَ الحَجِّ: الذُّلُّ وَالانْكسَارُ
للَّهِ، وَالتَّقَرُّبُ إلَيْه بمَا أَمْكَنَ من القُرُبَات، وَالتَّنَزُّه عَنِ
مُقَارَفة السَّيِّئَات، فَإنَّهُ بذَلكَ يَكُونُ مَبْرُورًا، وَالمَبْرُورُ
لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلاَّ الجَنَّة، وَهَذِهِ الأَشْيَاءُ وَإنْ كَانَت
مَمْنُوعَةً في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، فَإنَّهُ يَتَغلَّظ المَنْعُ عَنْهَا في
الحَجِّ». انْتَهَى.
وَيُسْتَثْنَى
منَ الجِدَالِ مَا كَانَ لبَيَان حَقٍّ أَو رَدٍّ عَلَى بَاطلٍ، فَإنَّهُ وَاجبٌ
في الحَجِّ وَغَيْره؛ لقَوْله تَعَالَى: ﴿وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ﴾ [النحل: 125]، ثُمَّ لمَّا نَهَى اللَّهُ عَن هَذِهِ
الأَشْيَاء، أَمَرَ بالاشْتغَال بالطَّاعَة، فَقَالَ: ﴿وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ﴾ [البقرة: 197]، فَحَثَّهُمْ عَلَى حُسْنِ الكَلاَم
مَكَانَ الفُحْش، وَعَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى فِي الأَخْلاَق مَكَانَ الفُسُوق
وَالجِدَالِ؛ لأَنَّهُ لاَ يَتمُّ فِعْلُ الأَوَامر إلاَّ بتَرْكِ المَنْهيَّات.
وَلَمَّا كَانَ الحَجُّ يَحْتَاجُ إلَى سَفَرٍ وَتَنَقُّلاَتٍ، وَذَلكَ يَحْتَاجُ إلَى نَفَقَةٍ وَمُؤْنَةٍ، أَمَر سُبْحَانَهُ بالاسْتِعْدَاد لذَلكَ بأَخْذِ الزَّاد وَالنَّفَقَة التي تُمَوِّنُ تِلْكَ الاحْتيَاجَاتِ؛ حَتَّى لاَ يَحْتَاجَ الإنْسَانُ إلَى مَا بِيَدِ غَيْرِهِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ