وَكَذَلكَ يَحْرُمُ
تَعَاطِي دَوَاعِيهِ منَ المُبَاشَرَة وَالتَّقْبيل وَنَحْو ذَلكَ، وَكَذَلكَ
التَّكَلُّمُ بِهِ بحَضْرَة النِّسَاء». انْتَهَى.
وَالفُسُوقُ: جَميعُ المَعَاصي، فَلاَ يَجُوزُ للْمُسْلم فِعْلُهَا
في جَمِيعِ الأَحْوَال، وَلَكِن نُهِيَ عَنْهَا المُحْرِمُ خُصُوصًا؛ لأَنَّهَا
تُؤَثِّرُ عَلَى الإحْرَام، وَإثْمُهَا فيه أَشَدُّ، وَلأَنَّ المُفْتَرَضَ فِي
المُحْرِمِ أَنْ يَشْتَغِلَ بالطَّاعَات لاَ بضِدِّهَا، وَلأَنَّ الإحْرَامَ
مَظِنَّةُ التَّوْبَةِ مِنَ المَعَاصي، فَإذَا فَعَلَهَا المُحْرِمُ، دَلَّ عَلَى
إصْرَارِهِ عَلَيْهَا، وَهَذَا ممَّا يَتَنَافَى مَعَ الغَرَض مِنَ الإحْرَامِ،
وَقَد فُسِّرَ الفُسُوقُ بأَنَّهُ فِعْلُ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَات الإحْرَام،
وَفُسِّرَ بأَنَّهُ إتْيَانُ المَعَاصي في الحَرَم، وَفُسِّرَ بأَنَّهُ
السِّبَابُ، وَفُسِّرَ بأَنَّهُ الذَّبْحُ للأَْصْنَام، وَلاَ تَنَافي بَيْنَ هَذه
التَّفَاسير؛ فَإنَّ لَفْظَ «الفُسُوق» يَشْمَلُهَا كُلَّهَا، فَهِيَ مِنْ
أَفْرَاد الفُسُوق.
وَقَالَ الإمَامُ الشَّوْكَاني: «وَلاَ يَخْفَى عَلَى
عَارِفٍ أَنَّ إطْلاَقَ اسْم الفُسُوق عَلَى فَرْدٍ مِنْ أَفْرَاد المَعَاصي لاَ
يُوجِبُ اخْتصَاصَهُ به». انْتَهَى.
أَقُولُ:
وَمِنْ أَعْظَم الفُسُوق مُحَاوَلَةُ جَعْل مَوْسم الحَجِّ وَسَاحَات المَشَاعر
المُقَدَّسَة مَجَالاً للْمُهَاتَرَات وَالمُظَاهَرَات وَالهُتَافَات وَالشِّعَارَات
القَوْميَّة، وَإحْيَاء العُنْصُريَّات الجَاهليَّة، وَالدِّعَايَة للأَْشْخَاص
وَالمَذَاهب، وَرَفْع الصُّوَر للزُّعَمَاءِ وَالرُّؤَسَاء، كَمَا كَانَ أَهْلُ
الجَاهليَّة يَجْعَلُونَ مَوْسمَ الحَجِّ مَجَالاً للْمُفَاخَرَة بآبَائِهِم
وَأَمْجَادِهِم وَغَارَاتِهِم وَثَارَاتِهِمْ.
قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا
قَضَيۡتُم مَّنَٰسِكَكُمۡ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكۡرِكُمۡ ءَابَآءَكُمۡ أَوۡ
أَشَدَّ ذِكۡرٗاۗ﴾ [البقرة:
200].
قَالَ الإمَامُ الشَّوْكَاني: «لأَنَّ العَرَبَ كَانُوا إذَا فَرَغُوا مِنْ حَجِّهمْ، يَقفُونَ عِنْدَ الحُجْرَة فَيَذْكُرُونَ مَفَاخِرَ آبَائِهِم، وَمَنَاقبَ أَسْلاَفهمْ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بذِكْرِه مَكَانَ ذَلكَ الذِّكْر». انْتَهَى.