وَالمُرَادُ بِهَذِهِ الأَشْهُر: شَوَّالٌ،
وَذُو القَعْدَة، وَعَشْرٌ من ذِي الحِجَّةِ، فَإذَا أَحْرَمَ بالحَجِّ في هَذِهِ
الأَشْهُرِ، صَحَّ إحْرَامُهُ من غَيْر خِلاَفٍ، وَإذَا أَحْرمَ بِهِ في غَيْرهَا،
فَمَحَلُّ خِلاَفٍ، لَيْسَ مِنْ غَرَضنَا الآنَ الدُّخُولُ في تَفَاصيلِهِ إلاَّ
أَنَّنَا نَقُولُ: إنَّ المُسْلمَ إذَا أَحْرَمَ بالحَجِّ، فَلَهُ حَالَةٌ
تَخْتَلفُ عَمَّا قَبْلَ الإحْرَامِ، وَإنْ كَانَت كُلُّ أَحْوَال المُسْلم
يَنْبَغي أَن تَكُونَ عَلَى الاسْتقَامَة وَالتُّقَى وَالسَّدَاد، إلاَّ أَنَّهُ
بإحْرَامه يَنْتَقلُ إلَى حَالَةٍ أَفْضَلَ؛ فَإنَّ المُحْرِمَ يُمْنَعُ مِنْ
مُزَاوَلَة أَشْيَاءَ كَانَت مُبَاحَةً لَهُ في غَيْر حَالَة الإحْرَام من أُمُور
الرَّفَاهيَة وَالتَّوَسُّع، فَيَتَعَيَّنُ عَلَى المُحْرِمِ تَجَنُّبُ
المُحَرَّمَات العَامَّة، وَالمُحَرَّمَات الخَاصَّة بالإحْرَام.
وَلهَذَا،
قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿فَمَن
فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلۡحَجِّۗ﴾ [البقرة: 197].
وَمَعْنَى
(فَرَضَ): أَحْرَمَ، عَبَّرَ عَنْهُ بالفَرْض ليُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ المُحْرِمَ يَجبُ
عَلَيْه أَدَاءُ النُّسُك الَّذي أَحْرَمَ به، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ رَفْضُهُ، وَإنْ
كَانَ هَذَا النُّسُكُ قَبْلَ الإحْرَام به لَيْسَ بوَاجبٍ، ثُمَّ نَهَى
سُبْحَانَهُ عَنْ تَعَاطي الأُمُور الَّتي تَتَنَافَى مَعَ الإحْرَامِ منَ
الأَقْوَال وَالأَفْعَال، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلۡحَجِّۗ﴾ [البقرة: 197].
وَجَاءَ
هَذَا النَّهْيُ بصِيغَةِ النَّفْي ليَكُونَ آَكَدَ وَأَبْلَغَ في الابْتِعَادِ
عَنْ هَذِهِ الأُمُور. وَالرَّفَثُ مَعْنَاهُ: الجِمَاعُ وَدَوَاعيه من النَّظَر
وَالمُبَاشَرَة وَالتَّحَدُّث، بَل قَد نُهِيَ فيه عَن الخِطْبَةِ وَعَقْدِ
النِّكَاح.
قَالَ الإمَامُ ابْنُ كَثيرٍ: «أَيْ: مَنْ أَحْرَمَ بالحَجِّ أَوِ العُمْرَة، فَيَتَجَنَّبُ الرَّفَثَ، وَهُوَ الجِمَاعُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡۚ﴾ [البقرة: 187].