وَكَانُوا يَطُوفُونَ بالبَيْت عُرَاةً، وَيَرَوْنَ
أَنَّ ذَلكَ طَاعَة أَمَرَ اللَّهُ بِهَا، فَردَّ اللَّهُ عَلَيْهم بقَوْله: ﴿وَإِذَا
فَعَلُواْ فَٰحِشَةٗ قَالُواْ وَجَدۡنَا عَلَيۡهَآ ءَابَآءَنَا وَٱللَّهُ
أَمَرَنَا بِهَاۗ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ أَتَقُولُونَ
عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ﴾
[الأعراف: 28].
وَأَمَرَ
سُبْحَانَهُ باللِّبَاس، وَسَتْر العَوْرَة فِي الصَّلاَة وَالطَّوَاف
وَغَيْرهمَا: ﴿يَٰبَنِيٓ
ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ﴾
[الأعراف: 31]، وَكَانَ سُكَّانُ الحَرَم لاَ يَقِفُونَ مَعَ النَّاس في عَرَفَةَ،
وَإنَّمَا يَقِفُونَ في المُزْدَلفَة؛ لأَنَّهُمْ - بزَعْمِهِم - من أَهْل
الحَرَم، وَلاَ يَجُوزُ لَهُم الخُرُوجُ مِنْهُ، فَردَّ اللَّهُ عَلَيْهم ذَلكَ،
وَأَمَرَ بالوُقُوف بعَرَفَةَ لجَمِيعِ الحُجَّاج، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ثُمَّ
أَفِيضُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ﴾
[البقرة: 199] فَأَعَادَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الحَجَّ كَمَا كَانَ عَلَى مِلَّةِ
إبْرَاهِيمَ عَلَى يَدِ مُحَمَّدٍ خَاتَم النَّبيِّينَ عَلَى التَّوْحيد
الخَالِصِ، وَباللِّبَاس السَّاتِر، وَالوُقُوف بالمَشَاعِرِ، وَأَعْلَنَ للنَّاس
قَبْلَ أَن يَحُجَّ بقَوْله: «لاَ يَحُجُّ
بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» ([1])،
عَمَلاً بقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ
نَجَسٞ فَلَا يَقۡرَبُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ بَعۡدَ عَامِهِمۡ هَٰذَاۚ﴾ [التوبة: 28] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَطَهِّرۡ
بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ﴾ [الحج: 26].
وَهَكَذَا
يَجبُ أَنْ يَكُونَ البَيْتُ وَالحَرَمُ دَائمًا وَأَبَدًا طَاهرًا مُطَهَّرًا منَ
الشِّرْك وَالبِدَعِ، مَبَاءَةً للتَّوْحيد، وَمَصْدَرًا للْعَقيدَة الصَّحيحَة
السَّليمَة إلَى سَائِرِ بِقَاعِ الأَرْض.
لَقَد أَوْجَبَ اللَّهُ الحَجَّ عَلَى النَّاس كَافَّةً، وَحَكمَ بالكُفْر عَلَى مَنِ امْتَنَعَ منْهُ مَعَ قُدْرَته عَلَيْه، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗاۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾ [آل عمران: 97].
([1]) أخرجه: البخاري رقم (369)، ومسلم رقم (1347).