وَلأَنَّ في الصِّلَةِ وَحُسْنِ المُعَامَلَة
تَرْغيبًا لِلْكَافِرِ فِي الإسْلاَم، فَهُمَا مِنْ وَسَائلِ الدَّعْوَة، بخِلاَفِ
المَوَدَّة وَالمُوَالاَة، فَهُمَا يَدُلاَّن عَلَى إقْرَار الكَافِرِ عَلَى مَا
هُوَ عَلَيْه، وَالرِّضَا عَنْهُ، وَذَلكَ بسَبَب عَدَم دَعْوَتِهِ إلَى
الإسْلاَم.
وَكَذَلكَ
تَحْريمُ مُوَالاَةِ الكُفَّار لاَ تَعْني تَحْريمَ التَّعَامُل مَعَهُمْ
بالتِّجَارَة المُبَاحَة، وَاسْتِيرَاد البَضَائع وَالمَصْنُوعَات النَّافعَة،
وَالاسْتِفَادَة مِنْ خِبْرَاتِهِم وَمُخْتَرَعَاتهمْ، فَالنَّبيُّ صلى الله عليه
وسلم اسْتَأْجَرَ ابْنَ أُرَيْقط اللَّيْثِي ليَدُلَّهُ عَلَى الطَّريق وَهُوَ
كَافرٌ، وَاسْتَدَانَ مِنْ بَعْضِ اليَهُود.
وَمَا
زَالَ المُسْلمُونَ يَسْتَوْرِدُونَ البَضَائعَ وَالمَصْنُوعَات مِنَ الكُفَّار،
وَهَذَا من بَابِ الشِّرَاء مِنْهُم بالثَّمَن، وَلَيْسَ لَهُمْ عَلَيْنَا فِيهِ
فَضْلٌ، وَلاَ مِنَّةٌ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَسْبَاب مَحَبَّتهمْ وَمُوَالاَتهمْ؛
فَإنَّ اللَّهَ أَوْجَب مَحَبَّةَ المُؤْمِنِينَ وَمُوَالاَتهمْ، وَبُغْض
الكَافِرِينَ وَمُعَادَاتهمْ.
قَالَ
تَعَالَى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ
ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ
وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ﴾ [الأنفال: 72]
إلَى
قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَٱلَّذِينَ
كَفَرُواْ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٍۚ إِلَّا تَفۡعَلُوهُ تَكُن فِتۡنَةٞ فِي
ٱلۡأَرۡضِ وَفَسَادٞ كَبِيرٞ﴾
[الأنفال: 73].
قَالَ
الحَافظُ ابْنُ كَثيرٍ: «وَمَعْنَى
قَوْله: ﴿إِلَّا
تَفۡعَلُوهُ تَكُن فِتۡنَةٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَفَسَادٞ كَبِيرٞ﴾ [الأنفال:
73]
أَيْ: إِنْ لَمْ تُجَانبُوا
المُشْركينَ، وَتُوَالُوا المُؤْمِنِينَ، وَإلاَّ وَقَعَتْ فِتْنَةٌ فِي النَّاس،
وَهُوَ الْتِبَاسُ الأَمْرِ، وَاخْتِلاَطُ المُؤْمِنِينَ بِالكَافِرِينَ، فَيَقَعُ
بَيْنَ النَّاس فَسَادٌ مُنْتَشرٌ عَريضٌ طَويلٌ».
انْتَهَى.
قُلْتُ:
وَهَذَا مَا حَصَلَ في هَذَا الزَّمَان، وَاللَّهُ المُسْتَعَانُ.