×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الأول

أَمَّا أَنْ يُقَالَ: الزَّوَاجُ المُبَكِّرُ يَشْغَلُ عَنِ التَّحْصيل العِلْميِّ، وَعَنِ الدِّرَاسَة، فَلَيْسَ هَذَا بمُسَلَّمٍ، بَلِ الصَّحيحُ العَكْسُ؛ لأَنَّهُ مَا دَامَ أَنَّ الزَّوَاجَ تَحْصُلُ بِهِ المَزَايَا الَّتي ذَكَرْنَاهَا، وَمِنْهَا السُّكُونُ وَالطُّمَأْنينَةُ وَرَاحَةُ الضَّمِيرِ وَقُرَّة العَيْنِ، فَهَذَا ممَّا يُسَاعدُ عَلَى التَّحْصِيل؛ لأَِنَّهُ إذَا ارْتَاحَ ضَميرُهُ، وَصَفَا فِكْرُهُ مِنَ القَلَق، فَهَذَا يُسَاعدُهُ عَلَى التَّحْصِيل، أَمَّا عَدَمُ الزَّوَاج فَإنَّهُ فِي الحَقيقَة هُوَ الَّذِي يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُريدُ مِنَ التَّحْصِيلِ العِلْميِّ؛ لأَنَّهُ مُشَوَّشُ الفِكْرِ، مُضْطَرب الضَّمِيرِ، لاَ يَتَمَكَّنُ منَ التَّحْصيل العِلْميِّ.

لَكِن إذَا تَزَوَّجَ، وَهَدَأَ بَالُهُ، وَارْتَاحَت نَفْسُهُ، وَحَصَلَ عَلَى بَيْتٍ يَأْوِي إلَيْه، وَزَوْجَةٍ تُؤْنِسُهُ وَتُسَاعدُهُ؛ فَإنَّ ذَلكَ مِمَّا يُسَاعدُهُ عَلَى التَّحْصيل، فَالزَّوَاجُ المُبَكِّرُ إذَا يَسَّر اللَّهُ، وَصَارَ هَذَا الزَّوَاجُ مُنَاسبًا؛ فَإنَّ هَذَا ممَّا يُسَهِّلُ عَلَى الطَّالبِ السَّيْرَ فِي التَّحْصِيل العِلْميِّ، لاَ كَمَا يُتَصَوَّرُ أَنَّهُ يَعُوقُهُ.

كَذَلكَ قَوْلُهُمْ: إنَّ الزَّوَاجَ المُبَكِّرَ يُحمِّلُ الشَّابَّ مَؤُونَةَ النَّفَقَة عَلَى الأَوْلاَد، وَعَلَى الزَّوْجَة إلَى آخِرِه، هَذَا أَيْضًا لَيْسَ بمُسلَّمٍ بِهِ؛ لأَنَّ الزَّوَاجَ تَأْتِي مَعَهُ البَرَكَةُ وَالخَيْرُ؛ لأَنَّهُ طَاعَةٌ للهِ وَرَسُولِهِ، وَالطَّاعَةُ كُلُّهَا خَيْرٌ، فَإذَا تَزَوَّجَ الشَّابُّ مُمْتَثلاً أَمْرَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومُتَحرِّيًا لِمَا وُعِدَ بِهِ منَ الخَيْر، وَصَدَقَتْ نِيَّتُهُ؛ فَإنَّ هَذَا الزَّوَاجَ يَكُونُ سَبَبَ خَيْرٍ لَهُ، وَالرِّزْقُ بِيَدِ اللَّه عز وجل، ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزۡقُهَا [هود: 6]، فَالَّذي يَسَّرَ لَكَ الزَّوَاجَ، سَيُيَسِّرُ لَكَ الرِّزْقَ وَلأَوْلاَدكَ ﴿نَّحۡنُ نَرۡزُقُكُمۡ وَإِيَّاهُمۡۖ [الأنعام: 151] فَالزَّوَاجُ لاَ يُحمِّلُ الشَّابَّ كَمَا يُتَصَوَّرُ أَنَّهُ يُحمِّلُهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ؛ لأَنَّهُ يَأْتِي مَعَهُ الخَيْرُ، وَتَأْتِي مَعَهُ البَرَكَةُ، وَالزَّوَاجُ سُنَّةُ اللَّه سبحانه وتعالى فِي البَشَر


الشرح