×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الأول

وَأَصْحَابُ النَّار: خَزَنَةُ النَّار، أَيْ: عَلَى جَهَنَّمَ مِنَ المَلاَئكَة تِسْعَةَ عَشَرَ مَلَكًا، يَخْزُنُونَهَا وَيَقُومُونَ بِحِفْظِهَا وَإيقَادهَا، وَيُوكَلُونَ بِشُؤُونهَا، قَالَ بَعْضُ الكُفَّار لمَّا سَمِعَ بعَدَد خَزَنَة النَّار، وَكَأَنَّهُ اسْتَهَانَ بهَذَا العَدَد، وَقَالَ: أَنَا أَكْفِيكُمْ مِنْهُم كَذَا وَكَذَا، يَعْني أَنَّهُ إذَا دَخَلَ النَّارَ، سَيُقَاومُ وَيَتَغَلَّبُ عَلَيْهم وَيَخْرُجُ مِنَ النَّار، وَذَلكَ من بَابِ السُّخْريَة وَالاسْتهْزَاء، فَرَدَّ اللَّهُ تَعَالَى بقَوْلِهِ: ﴿وَمَا جَعَلۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَٰٓئِكَةٗۖ [المدثر: 31]، أَيْ: لَيْسُوا مِنَ البَشَر.

فَإنْ كَانَ هَذَا يَزْعُمُ بنَفْسِهِ أَنَّهُ قَويٌّ، وَأَنَّهُ يُطيقُ عَدَدًا منَ البَشَر، فَإنَّهُ لاَ يُطيقُ أَحدًا منَ المَلاَئكَة، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا جَعَلۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَٰٓئِكَةٗۖ [المدثر: 31] أَيْ: لَمْ يَجْعَلْهُم بَشَرًا أَوْ جِنًّا، ﴿وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسۡتَيۡقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَيَزۡدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِيمَٰنٗا وَلَا يَرۡتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ [المدثر: 31]، ﴿وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ [المدثر: 31]، أَيْ: الكَافرُونَ، ﴿مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۚ [المدثر: 31]، فَهُمْ يَفْتَرُونَ، وَبهَذَا يَتقَالُّون هَذَا العَدَدَ، كَيْفَ أَنَّ هَذِهِ النَّارَ العَظيمَة الَّتي بِهَا كُلُّ هَذِهِ الخَلاَئق لاَ يَقُومُ عَلَيْهَا إلاَّ تِسْعَةَ عَشَرَ؟

قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ [المدثر: 31]، فَمَا يَعْلَمُ عَظَمَةَ المَلاَئكَة، وَمَا يَعْلَم مَا عِنْدَ اللَّه مِنْ جُنُودِ السَّمَاوَات وَالأَرْض إلاَّ اللَّهُ، لاَ يَعْلَمُهُم هَؤُلاَء الكُفَّار، وَلاَ غَيْرُهُمْ.

ثَانيًا: وَالمَلاَئكَةُ خِلْقَتُهُم عَظيمَةٌ، فَقَد ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ [فاطر: 1]، يَعْني: مِنْهُم مَنْ لَهُ جَنَاحَان، وَمَنْ لَهُ ثَلاَثَةٌ، أَوْ أَرْبَعَة أَجْنحَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلكَ، فَقَدْ رَأَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم جِبْريلَ وَلَهُ


الشرح