وَأَصْحَابُ النَّار:
خَزَنَةُ النَّار، أَيْ: عَلَى جَهَنَّمَ مِنَ المَلاَئكَة تِسْعَةَ عَشَرَ
مَلَكًا، يَخْزُنُونَهَا وَيَقُومُونَ بِحِفْظِهَا وَإيقَادهَا، وَيُوكَلُونَ
بِشُؤُونهَا، قَالَ بَعْضُ الكُفَّار لمَّا سَمِعَ بعَدَد خَزَنَة النَّار،
وَكَأَنَّهُ اسْتَهَانَ بهَذَا العَدَد، وَقَالَ: أَنَا أَكْفِيكُمْ مِنْهُم كَذَا
وَكَذَا، يَعْني أَنَّهُ إذَا دَخَلَ النَّارَ، سَيُقَاومُ وَيَتَغَلَّبُ عَلَيْهم
وَيَخْرُجُ مِنَ النَّار، وَذَلكَ من بَابِ السُّخْريَة وَالاسْتهْزَاء، فَرَدَّ
اللَّهُ تَعَالَى بقَوْلِهِ: ﴿وَمَا جَعَلۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا
مَلَٰٓئِكَةٗۖ﴾ [المدثر: 31]، أَيْ:
لَيْسُوا مِنَ البَشَر.
فَإنْ
كَانَ هَذَا يَزْعُمُ بنَفْسِهِ أَنَّهُ قَويٌّ، وَأَنَّهُ يُطيقُ عَدَدًا منَ
البَشَر، فَإنَّهُ لاَ يُطيقُ أَحدًا منَ المَلاَئكَة، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا
جَعَلۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَٰٓئِكَةٗۖ﴾
[المدثر: 31] أَيْ: لَمْ يَجْعَلْهُم بَشَرًا أَوْ جِنًّا، ﴿وَمَا جَعَلۡنَا
عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسۡتَيۡقِنَ ٱلَّذِينَ
أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَيَزۡدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِيمَٰنٗا وَلَا يَرۡتَابَ
ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ﴾
[المدثر: 31]، ﴿وَلِيَقُولَ
ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ﴾
[المدثر: 31]، أَيْ: الكَافرُونَ، ﴿مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۚ﴾ [المدثر: 31]، فَهُمْ يَفْتَرُونَ، وَبهَذَا
يَتقَالُّون هَذَا العَدَدَ، كَيْفَ أَنَّ هَذِهِ النَّارَ العَظيمَة الَّتي بِهَا
كُلُّ هَذِهِ الخَلاَئق لاَ يَقُومُ عَلَيْهَا إلاَّ تِسْعَةَ عَشَرَ؟
قَالَ
تَعَالَى: ﴿وَمَا
جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ [المدثر: 31]، فَمَا يَعْلَمُ عَظَمَةَ المَلاَئكَة،
وَمَا يَعْلَم مَا عِنْدَ اللَّه مِنْ جُنُودِ السَّمَاوَات وَالأَرْض إلاَّ
اللَّهُ، لاَ يَعْلَمُهُم هَؤُلاَء الكُفَّار، وَلاَ غَيْرُهُمْ.
ثَانيًا: وَالمَلاَئكَةُ خِلْقَتُهُم عَظيمَةٌ، فَقَد ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ﴾ [فاطر: 1]، يَعْني: مِنْهُم مَنْ لَهُ جَنَاحَان، وَمَنْ لَهُ ثَلاَثَةٌ، أَوْ أَرْبَعَة أَجْنحَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلكَ، فَقَدْ رَأَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم جِبْريلَ وَلَهُ