فَهَذَا الدِّينُ دِينٌ قَيِّمٌ؛ قَالَ تَعالَى:
﴿ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ
ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ﴾
[يوسف: 40] وقال تعالى: ﴿وَمَآ
أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ
وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ﴾ [البينة: 5] والدِّينُ القَيِّمُ هُوَ الدِّينُ
المُعتَدِلُ الَّذي لا اعوِجَاجَ فيه، كَمَا قَالَ تَعالَى: ﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ
ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ٦صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ
عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ ٧﴾
[الفاتحة: 6- 7] والصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ هُوَ المُعتَدِلُ، كما بَيَّنَهُ
النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَمَا قَرَأَ قَوْلَهُ تَعالَى: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا
صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ
بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 153] هذا هو دِينُ الاعتِدَالِ، دِينُ
الوَسَطِ بَيْنَ الإِفْرَاطِ والتَّفْرِيطِ، دِينُ الوَسَطِ بَيْنَ الغُلُوِّ
والتَّسَاهُلِ.
كما
أنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ أُمَّةٌ وَسَطٌ بَيْنَ الأُمَمِ، وليس فيها غُلُوٌّ
كَغُلُوِّ النَّصَارَى، وَلَيْسَ فِيهَا تَسَاهُلٌ وَتَفْرِيطٌ كَتَفْرِيطِ
اليهود، وإنَّما هذه الأمَّة وَسَطٌ بَيْنَ الغَالِي مِنَ الأُمَمِ، وَبَيْنَ
الجَافِي المُتَسَاهِلِ المُفَرِّطِ، كما قال تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا
لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ﴾
[البقرة: 143] فلا يَصْلُحُ للشَّهادة إِلاَّ الوَسَطُ، وهو الخِيَارُ العدْلُ،
ولن يكون خيارًا عدلاً إِلاَّ إذا كان وَسَطًا في الحَقِّ؛ فإنَّ كُلَّ مَنْ خَرَجَ
عنِ الوَسَطِ، فإنَّه يَكُونُ طَرَفًا، والطَّرَفُ علَى خَطَرٍ، وَالوَسَطُ فِيهِ
الطُّمَأْنِينَةُ، وَفِيهِ الأَمْنُ.
أَمَّا الطَّرَفَانِ أَوِ الأطراف فإنَّها على خَطَرٍ، وَفِيهَا الخَوْفُ؛ قَالَ تَعالَى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفٖۖ﴾ [الحج: 11] يعني: طَرَفَ ﴿فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَيۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ﴾ [الحج: 11] وَهُوَ دِينُ الله جل وعلا الَّذي بَعثَ بِهِ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم وَضِدُّ الوَسَطِ - كَمَا ذَكَرْنَا - الأَطْرَافُ.