المحاضرة الأربعون
الوسطية عند أهل السنة والجماعة
****
·
وسطية
المسلمين بين غلو النصارى وتساهل اليهود:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحَمْدُ
لله الَّذي أَرْسَلَ إِلَيْنَا أَفْضَلَ رُسُلِهِ، وَأَنْزَلَ علَيْنَا أَفْضَلَ
كُتُبِهِ، وَشَرَع لنا أَفْضَلَ شَرَائِع دِينِه، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا
محمَّد المبعوث رَحْمَةً للعالَمِينَ، وعلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنِ اهْتَدَى
بدينه واقتفى أَثَرَهُ وتمسَّك بسنَّته إلى يوم الدِّين.
قال
تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ
جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ
ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ﴾
[البقرة: 143] في هذه الآية الكريمة يُبَيِّنُ اللهُ سبحانه وتعالى فَضْلَهُ على
هذه الأُمَّة، وأنَّه اختارها مِنْ بَيْنِ سائر الأُمَمِ، وَجَعلَهَا خَيْرَ
أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاس، وَجَعلَ لها مِنَ الفضائل والمَكَانَةِ بَيْنَ
الأُمَمِ مَا أَهَّلَهَا للشَّهادة على الأمم.
﴿أُمَّةٗ وَسَطٗا﴾
[البقرة: 143] يَعنِي: عُدُولاً خِيَارًا؛ لأنَّ الشَّاهِدَ يُشْتَرَطُ فيه العدَالَةُ
والخَيْرِيَّةُ، وهذه الأمَّة يستشهدها الله جل وعلا يَوْمَ القِيَامَةِ علَى
الأُمَمِ فِي أنَّها قد بَلَغَتْهَا رِسَالاتُ الأنبياء، وَقَامَتْ علَيْهَا
الحُجَّةُ، وإنَّ أَنْبِيَاءَهَا بَلَّغُوهَا عن الله سبحانه وتعالى وَيَكُونُ هذا
الرَّسول مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم مُزَكِّيًا لهذه الأمَّة في شهادتها، كما
قال: ﴿وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ
عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ﴾ [البقرة:
143] فَهَذِهِ مَنْزِلَةٌ عظِيمَةٌ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، مع أَنَّهَا آخِرُ
الأُمَمِ، ولكن بما أعطاها اللهُ مِنَ العلْمِ فِيمَا أَنْزَلَهُ على نبيِّها
محمَّد صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّها علِمَتْ ما سبقها مِنْ أحوال الأُمَمِ، وما
جاءت به الرُّسُلُ؛ لأنَّ هذا القُرْآَنَ اشْتَمَلَ على علْمِ
الصفحة 1 / 439