مَا كَانَ، وَمَا سَيَكُونُ مِنْ أَحْوَالِ
النَّاس مُنْذُ خَلَقَ اللهُ آَدَمَ عليه السلام إلى أَنْ تَقُومَ السَّاعة، بما
قَصَّهُ الله سبحانه وتعالى في هذا القُرْآَنِ ممَّا جَرَى بَيْنَ الرُّسُلِ
وَأُمَمِهِمْ، وما بَلَّغَتِ الرُّسُلُ لأُمَمِهِمْ، وما قَابَلَتِ الأُمَمُ
رُسُلَهُمْ بِهِ مِنَ العنَادِ وَالمُكَابَرَةِ.
فهذه
الأُمَّةُ شَهِدَتْ علَى الأُمَمِ؛ بِأَنَّ رُسُلَهَا -علَيْهِمُ الصَّلاة
والسَّلام- بَلَّغُوهَا، وَأَقَامُوا عليها الحُجَّةَ، فكان كُفْرُهُم
وإِعرَاضُهُم إنَّمَا هو مِنْ بَابِ العنَادِ، لا مِنْ بَابِ الجَهْلِ.
فَاخْتِيَارُ
اللهِ لِهَذِهِ الأُمَّةِ الشَّهادة في هذا المَوْقِفِ العظِيمِ دَلِيلٌ على فَضْلِهَا
وَخَيْرِيَّتِهَا، وإنَّها وَسَطٌ بَيْنَ الأُمَمِ، والوَسَطُ - بِفَتْحِ الواو -
مَا كَانَ بَيْنَ طَرَفَيْنِ؛ فَهُوَ الوَسَطُ؛ وذلك لأنَّ الأَطْرَافَ عُرْضَةٌ
لِلآَفَاتِ، بِخِلافِ الوَسَطِ؛ لأنَّهُ يَكُونُ سَالِمًا مِنَ الآَفَاتِ،
وَلِهَذَا يَقُولُ الشَّاعرُ:
كَانَتْ هِيَ الوَسَطَ المَحْمِيَّ فَاكْتَنَفَتْ **** بِهَا
الحَوَادِثُ حَتَّى أَصْبَحَتْ طَرْفًا
فالطَّرْفُ
مُعرَّضٌ لِلإِصَابَاتِ وَالآفَاتِ، أَمَّا الوَسَطُ فإنَّه يَكُونُ سَالِمًا،
فَكَذَلِكَ هَذِهِ الأُمَّةُ - ولله الحَمْدُ - كَانَتْ سَالِمَةً ممَّا أَصَابَ
الأُمَمَ قَبْلَهَا مِنْ آَفَاتِ الكُفْرِ والشِّرْكِ والإلحَادِ والكِبْرِ، وكانت
مُوَفَّقَةً لاتِّبَاع نَبِيِّهَا، والإِيمَانِ بِكُلِّ الرُّسُلِ الَّذِينَ
أَرْسَلَهُمُ اللهُ سبحانه وتعالى وَالإِيمَانِ بِكُلِّ الكُتُبِ؛ ﴿قُولُوٓاْ ءَامَنَّا
بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ
وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِيَ
ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ
مُسۡلِمُونَ ١٣٦فَإِنۡ ءَامَنُواْ بِمِثۡلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِۦ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ
وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا هُمۡ فِي شِقَاقٖۖ فَسَيَكۡفِيكَهُمُ ٱللَّهُۚ
وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ١٣٧﴾
[البقرة: 136- 137] فَهَذِهِ الأُمَّةُ تُؤْمِنُ بِجَمِيع الرُّسُلِ، وَتُؤْمِنُ
بِجَمِيع الكُتُبِ؛ خُصُوصًا بِكِتَابِهَا الَّذي أَنْزَلَهُ اللهُ علَى
رَسُولِهَا، وَتَتَمَسَّكُ بِهِ، وَتَتَّبِعهُ؛ بِخِلافِ كَثِيرٍ مِنَ الأُمَمِ