السَّابقة؛ فإنَّهم يُفَرِّطُونَ فِيمَا
أَنْزَلَ اللهُ علَيْهِمْ، وَيُقَابِلُونَ مَا نَزَّلَ اللهُ علَيْهِمْ إِمَّا
بِالجُحُودِ والتَّكْذِيبِ، وإمَّا بالتَّحريف والتَّبديل والتَّغيير.
أَمَّا
هَذِهِ الأُمَّةُ - ولله الحمد - فَإِنَّهَا حَافَظَتْ علَى كِتَابِهَا؛
تَمَسَّكَتْ بِهِ، وتعلَّمت ما فيه، وَعمِلَتْ بِمَا فِيهِ، فَلِذَلِكَ صَارَتْ
خَيْرَ الأُمَمِ، فكانت هذه الأُمَّةُ وَسَطًا بَيْنَ الأَدْيَانِ؛ فَدِينُ الإِسْلامِ
وَسَطٌ بَيْنَ الأَدْيَانِ، وَأُمَّةُ الإسلام وَسَطٌ بَيْنَ الأُمَمِ؛ وَسَطٌ
بَيْنَ الإِفْرَاطِ والتَّفْرِيطِ، بَيْنَ الغُلُوِّ والجَفَاءِ؛ فَهِيَ أُمَّةٌ
مُعتَدِلَةٌ، لَيْسَ فيها إِفْرَاطٌ وَغُلُوٌّ، وليس فِيهَا تَفْرِيطٌ
وَإِهْمَالٌ.
هذه
صِفَةُ هَذِهِ الأُمَّةِ؛ فَفِي حَقِّ الرَّبِّ سبحانه وتعالى كَانَتْ هَذِهِ
الأُمَّةُ وَسَطًا بَيْنَ اليَهُودِ والنَّصَارَى؛ فَاليَهُودُ شَبَّهُوا اللهَ
بِالمَخْلُوقِينَ، تَعالَى اللهُ عنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ؛
أَيْ: وَصَفُوا اللهَ بِالبُخْلِ، وَقَالُوا: إنَّ اللهَ فَقِيرٌ، وَنَحْنُ
أَغْنِيَاءُ... إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَقَالاتِهِمُ الخَبِيثَةِ، فَشَبَّهُوا
اللهَ بالخَلْقِ في الصِّفات المَذْمُومَة.
وأمَّا
النَّصَارَى فَهُمْ شَبَّهُوا المَخْلُوقَ بالله تعالى؛ فَشَبَّهوا المَسِيحَ عيسى
ابْنَ مَرْيَمَ عليه الصلاة والسلام باللهِ، وَجَعلُوا لَهُ مِنْ صِفَاتِ
الرُّبُوبِيَّةِ مَا اتَّخَذُوهُ بِهِ رَبًّا وَإِلَهًا، كَمَا قال سبحانه وتعالى:
﴿لَقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ
قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَۖ﴾
[المائدة: 72] وَقَالُوا: إنَّهُ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ، تَعالَى اللهُ عمَّا
يَقُولُونَ؛ فَهُمْ شَبَّهُوا المَخْلُوقَ بالخَالِقِ، واتَّخَذُوهُ رَبًّا
يَعبُدُونَهُ، ويصرِّحون بأنَّه الرَّبُّ يَسُوع، ولا يزالون على ذلك يَعتَقِدُونَ
أنَّ المسيح هو الله، أَوِ ابْنُ الله، وأنَّه الرَّبُّ، وَيَعبُدُونَهُ مِنْ
دُونِ الله عز وجل كَمَا صَرَّحَ بذلك القُرْآَنُ الكَرِيمُ عنْهُمْ، وَكَمَا
علَيْهِ حَالُهُم الَّتي لا يَزَالُونَ علَيْهَا.