فَإِنْ كَانَ الخَارِجُ عنِ الوَسَطِ متشدِّدًا،
فإنَّه يُسَمَّى بالغالي، وإن كان الخَارِجُ عنِ الوَسَطِ مُتَسَاهلاً مُتَلاعبًا،
فإنَّ هَذَا يُسَمَّى بالمتساهل، والمُفَرِّطُ فِي دِينِ اللهِ هُوَ المُضَيِّع
لِدِينِ الله، المُتَّبِع لِشَهَوَاتِهِ، فهو ممَّن اتَّخذ إِلَهَهُ هَوَاهُ،
واتَّبَع شَهَوَاتِهِ وَرَغَبَاتِهِ.
وَمَحَلُّ
كَلامِنَا الآنَ هُوَ الغُلُوُّ؛ لأنَّ المُتَسَاهِلَ وَالمُضَيِّع مَعلُومٌ
أَنَّهُ لَيْسَ علَى حَقٍّ، لكن الغالي والمتشدِّد هو الَّذي يُوهِمُ النَّاسَ،
أَوْ يُوهِمُ نَفْسَهُ، أَنَّهُ علَى دِينٍ، وَأَنَّ فِعلَهُ هَذَا مَحْمُودٌ،
وَأَنَّهُ زِيَادَةُ خَيْرٍ، وَزِيَادَةُ صَلاحٍ، فَلِذَلِكَ نَاسَبَ الكَلامَ عنِ
الغُلُوِّ خَاصَّةً؛ لأنَّ أَمْرَ الغُلُوِّ خَطِيرٌ؛ لأنَّه يَرَى أَنَّهُ علَى
حَقٍّ.
وَأَيْضًا
الجُهَّالُ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاس يَرَوْنَ أَنَّهُ علَى حَقٍّ، وَيَقُولُون: هذا
زِيَادَةُ خَيْرٍ، وَهَذَا زِيَادَةُ صَلاحٍ وَحِرْصٍ علَى الخَيْرِ، فَمِنْ ثَمَّ
يَكُونُ الخَلْطُ العظِيمُ، فيترك الدِّين بهذه الطريقة.
وقال
سبحانه وتعالى: ﴿يَٰٓأَهۡلَ
ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ وَلَا تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّۚ
إِنَّمَا ٱلۡمَسِيحُ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُۥٓ
أَلۡقَىٰهَآ إِلَىٰ مَرۡيَمَ وَرُوحٞ مِّنۡهُۖ فََٔامِنُواْ بِٱللَّهِ
وَرُسُلِهِۦۖ وَلَا تَقُولُواْ ثَلَٰثَةٌۚ ٱنتَهُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ إِنَّمَا ٱللَّهُ
إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ سُبۡحَٰنَهُۥٓ أَن يَكُونَ لَهُۥ وَلَدٞۘ ٌ﴾ [النساء: 171] قال تعالى: ﴿لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ ٣وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ
كُفُوًا أَحَدُۢ ٤﴾ [الإخلاص:
3- 4] هذا مِنْ غُلُوِّ النَّصَارَى، وَلَهُمْ غُلُوٌّ كَثِيرٌ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ،
لكن هذا والعياذ بالله أَشَدُّ الغُلُوِّ.
والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حَذَّرَ مِنْ ذَلِكَ في حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُغَالَى فِيهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا يُغَالَى بِالمَسِيحِ عليه السلام، فقال صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ» ([1]).
([1]) أخرجه: البخاري رقم (3445).