×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثالث

 وهذا دليل على مَنْ تعلَّم السِّحْرَ؛ فقد كفر: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنۡهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِۦ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَزَوۡجِهِۦۚ [البقرة: 102]. وهذا دَلِيلٌ علَى أَنَّ السِّحْرَ حَقِيقَةٌ، وأنَّه يُفَرِّقُ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ؛ بِجَعلِ الزَّوْجِ يُبْغِضُ زَوْجَتَهُ، والزَّوجة تُبْغِضُ زَوْجَهَا. هَذَا مِنْ عمَلِ السِّحْرِ.

﴿وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ [البقرة: 102] إِلاَّ بِقَدَرِ الله وَقَضَائِهِ سبحانه وتعالى لكنَّه يُقَدِّرُ المَضَارَّ علَى النَّاسِ؛ عقُوبَةً لهم، وابْتِلاءً لَهُمْ، وَيُقَدِّرُ المَنَافِع للنَّاسِ؛ رَحْمَةً بِهِمْ، وَجَزَاءً لَهُمْ على أَعمَالِهِم الصَّالحة.

﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡۚ [البقرة: 102] هَذَا دَلِيلٌ علَى أَنَّ السِّحْرَ ضَرَرٌ مَحْضٌ، وَلَيْسَ فِيهِ نَفْع أَبَدًا.

بَعضُ المُحَرَّمَاتِ قَدْ يَكُونُ فِيهَا نَفْع لَكِنَّهُ نَفْع مَرْجُوحٌ، وَضَرَرُهُ أَكْثَرُ، وَلِذَلِكَ حُرِّمَتْ؛ لأنَّ مَا كَانَ ضَرَرُهُ أَكْثَرَ فَهُوَ حَرَامٌ، وَلا يُنْظَرُ إلى مَا فِيهِ مِنَ النَّفْع اليَسِيرِ؛ نَظَرًا للضَّرَرِ العظِيمِ الَّذِي فِيهِ، فَيُهْدَرُ النَّفْع اليَسِيرُ بِجَانِبِ الضَّرَرِ الكَبِيرِ. هَذِهِ قَاعدَةٌ شَرْعيَّةٌ، لكن السِّحر ليس فيه نَفْع بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ؛ لا كَثِيرٌ، ولا قَلِيلٌ.

﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡۚ [البقرة: 102] نَفَى اللهُ عنْهُ النَّفْع مُطْلَقًا، وَجَعلَهُ ضَرَرًا مَحْضًا خَالِصًا، وَهَذَا دَلِيلٌ علَى تَحْرِيمِ السِّحْرِ، وأنَّه ضَرَرٌ؛ لأنَّ الشَّيْءَ الَّذِي ضَرَرُهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعهِ مُحَرَّمٌ، فكيف بالضَّرر الخالص؟! ثمَّ قَالَ: ﴿وَلَقَدۡ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشۡتَرَىٰهُ [البقرة: 102] يَعنِي: اسْتَبْدَلَ السِّحْرَ بِالشِّرَاءِ هُنَا؛ وَمَعنَاهُ الاسْتِبْدَالُ؛ لأنَّ الشِّراء معناه أَخْذُ شَيْءٍ، وإعطاء شيء.


الشرح