×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثالث

فهذا الإنسان يَمْتَازُ علَى غَيْرِهِ مِنْ كُلِّ مَا يَمْشِي على وجه الأرض؛ يَمْتَازُ بِمَا أَعطَاهُ الله مِنَ الحَوَاسِّ والمَدَارِكِ، وما مَنَحَهُ مِنَ العقْلِ والتَّفْكِيرِ، وَمَا خَوَّلَهُ مِنَ النِّعمِ؛ فإنَّه ما أعطاه الله هذه الميزات عبَثًا، ما أعطاه الله هذه المَيْزَات وكرَّمه هذا التكريم عبثًا، بل لا بُدَّ أن يكون ذلك لِحِكْمَةٍ، وأن يكون لذلك نتيجة عظيمة؛ قال تعالى: ﴿أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ عَبَثٗا وَأَنَّكُمۡ إِلَيۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ [المؤمنون: 115] فهل يحسب الإنسان أنَّه أُعطِيَ هذه النِّعمَ وَمُكِّنَ هذا التَّمكين وأُكْرِمَ هذا الإكرام من غير نتيجة، وَمِنْ غَيْرِ حِكْمَةٍ؟ ليس كذلك؛ لِقَوْلِهِ تَعالَى: ﴿أَيَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَن يُتۡرَكَ سُدًى ٣٦أَلَمۡ يَكُ نُطۡفَةٗ مِّن مَّنِيّٖ يُمۡنَىٰ ٣٧ثُمَّ كَانَ عَلَقَةٗ فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ ٣٨فَجَعَلَ مِنۡهُ ٱلزَّوۡجَيۡنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰٓ ٣٩أَلَيۡسَ ذَٰلِكَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يُحۡـِۧيَ ٱلۡمَوۡتَىٰ ٤٠ [القيامة: 36- 40] فهذا التَّكريم وهذا الإنعام على هذا البَشَرِ له حكمة عظيمة، وليس مِنْ أَجْلِ أن يأكل ويشرب وَيَسْرَحَ ويمرح أبدًا؛ ليس مِنْ أَجْلِ أن يعمل ما شاء ممَّا تُمْلِيهِ عليه رغباته وشهواته؛ ليس كذلك، بل لا بُدَّ أن يكون وَرَاءَ ذلك أمر عظيم.

ما هو هذا الأمر؟ هذا الأمر أنَّ الله كما كرَّمه وكما نَعمَهُ وكما أعطاه هذه العطايا العظيمة، حَمَّلَهُ مَسْئوليَّة عظيمة، وَأَمَانَةً كُبْرَى، إن قام بها، فله الأَجْرُ العظِيمُ عند الله، ويكون مَصِيرُهُ أَحْسَنَ من مبدئه في هذه الدُّنيا.

إنَّ الله أنعم على الإنسان في هذه الدُّنيا وَمَكَّنَهُ وكرَّمه، ولكن إذا أدَّى مسئوليَّته على الوَجْهِ المَطْلُوبِ فعند الله له من التَّكريم في الآخرة ما لا يَعلَمُهُ إِلاَّ الله سبحانه وتعالى.

أَعدَّ اللهُ لَهُ مَا لا عيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعتْ، وَلا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ، وسيواصل الله له التَّكريم والإنعام دائمًا في الدُّنيا والآخرة.


الشرح