إذا قام بهذا الواجب، وَحَمَلَ هَذِهِ
الأَمَانَةَ بِصِدْقٍ وإخلاص، فإنَّه سَيُقْدِمُ علَى خَيْرٍ أَكْثَرَ ممَّا
تَرَكَهُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، وما عند الله خَيْرٌ وَأَبْقَى، أفلا تعقلون؟
فهذا
الإنسان لم يُخْلَقْ في هذه الدُّنيا ليأكل ويشرب ويتنعم ويشتهي ويعمل ما شاء. ليس
كذلك؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ
وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ
إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومٗا جَهُولٗا﴾
[الأحزاب: 72] ما هي الأمانة؟ هذه أمانة المسئوليَّة أَمَامَ الله جل وعلا وَأَمَامَ
خَلْقِهِ؛ فهو مسئول عن تصرُّفاته، مسئول عن حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ، مسئول عن
أعماله، مسئول عن جميع ما يَصْدُرُ منه، يُحَاسَبُ، وَيُنَاقَشُ، فَإِنْ أَحْسَنَ
فله الأجر والثَّواب عند الله سبحانه وتعالى وإن أَسَاءَ فَإِنَّهُ مُتَوَعدٌ
بالعقاب.
ولهذا
قال بعد هذه الآية: ﴿إِنَّا
عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن
يَحۡمِلۡنَهَا وأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ
ظَلُومٗا جَهُولٗا ٧٢لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ
وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ
وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمَۢا ٧٣﴾
[الأحزاب: 72- 73] الَّذِينَ ضَيَّعوا هذه الأمانة.
﴿وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ﴾ [الأحزاب: 73] الَّذين حفظوا هذه الأمانة، أَمَانَةَ
المسئوليَّة؛ المسئوليَّة أمام الله، وَأَمَامَ خَلْقِهِ؛ بأن ينظروا إلى
أَعمَالِهِم، وَيُحَاسِبُوا أَنْفُسَهُمْ، وَيَقِفُوا عنْدَ تَصَرُّفَاتِهِمْ،
فَمَا كَانَ مِنْهَا حقًّا، شكروا الله عليه، واستمرُّوا عليه، وما كان منها
سيِّئًا، تَرَكُوهُ وَتَابُوا منه، واستبدلوه بالحسن المحمود عند الله سبحانه
وتعالى.
هذه الأمانة وهذه المسئوليَّة تَتَلَخَّصُ فِي الحُقُوقِ الَّتي أَوْجَبَهَا اللهُ علَى هَذَا الإِنْسَانِ.