×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثالث

·        الحقوق العشرة:

الحق الأول: العبادة: هَذِهِ الحُقُوقُ هِيَ الَّتي بَيَّنَهَا اللهُ جل وعلا بِقَوْلِهِ: ﴿۞وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡ‍ٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡجَارِ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخۡتَالٗا فَخُورًا [النساء: 36] هذه الحُقُوقُ العشرة في هذه الآية الكريمة هي الَّتي حَمَلَهَا هذا الإِنْسَانُ، وَكُلِّفَ بِهَا، وبالقيام بها، وَكُلُّ إِنْسَانٍ عاقِلٍ فإنَّه لا يُعفَى مِنْ هَذِهِ الحُقُوقِ، إِلاَّ مَنْ فَقَدَ العقْلَ، كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: الصَّغِيرِ حَتَّى يَبْلُغَ، وَالْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَالنَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ» ([1]).

مَنْ عدَا هَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ فإنَّه مُكَلَّفٌ بِهَذِهِ الحُقُوقِ، فَإِنْ أَدَّاهَا على الوَجْهِ المَطْلُوبِ، فإنَّه يُثَابُ علَيْهَا، وَتَكُونُ لَهُ العاقِبَةُ الحَمِيدَةُ في الدُّنْيَا والآخرة، وإن ضَيَّعهَا أَوْ ضَيَّع شَيْئًا منها، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُؤَاخَذًا عند الله سبحانه وتعالى.

وَهَذِهِ الحُقُوقُ أَوَّلُهَا قَوْلُهُ تَعالَى ﴿وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡ‍ٔٗاۖ [النساء: 36] هَذَا هُوَ الحَقُّ الأَوَّلُ؛ وَهُوَ حَقٌّ الله على عبَادِهِ، الَّذي خَلَقَهُمْ مِنْ أَجْلِهِ، وَرَزَقَهُمْ وَأَوْجَدَهُمْ مِنَ العدَمِ، وَغَذَّاهُم بِالنِّعم.

حَقُّهُ مُقَدَّمٌ علَى سَائِرِ الحُقُوقِ؛ فَحَقُّهُ ليس معناه أَنَّهُم يُقَدِّمُونَ لله نَفْعا يَنْفَعونَ اللهَ جل وعلا بِهِ. كَلاَّ؛ لأنَّه لَيْسَ بِحَاجَةٍ إِلَيْهِ، وإنَّما يُقَدِّمُونَ لأَِنْفُسِهِمْ مَا يُقَرِّبُهُم إلى الله، وَيُرْضِي اللهَ عنْهُمْ؛ رَحْمَةً بِهِمْ.

فهذه العبادة ليس اللهُ بِحَاجَةٍ إِلَيْهَا؛ وَإِنَّمَا العبَادُ هُمُ المُحْتَاجُونَ إِلَيْهَا؛ لأنَّهم فُقَرَاءُ إِلَى اللهِ جل وعلا في كُلِّ لَحْظَةٍ، وَفِي كُلِّ حَالَةٍ؛ لا غِنَى بِهِم عنِ اللهِ طَرْفَةَ عيْنٍ، لكن لا يُقَرِّبُهُم إلى الله ولا يَرْبِطُهُم بالله إِلاَّ العبادة.


الشرح

([1])  أخرجه: أبو داود رقم (4403)، والترمذي رقم (1423)، وأحمد رقم (956).