فالمزح يُعدُّ من الخَطَرُ الشَدِيدٌ؛ لأنَّ
بَعضَ النَّاسِ خُصُوصًا الجُهَّال قد يأخذهم المزح واللَّعب فيما بَيْنَهُمْ،
فيتناولون هذا الدِّين أو المتديِّن بشيء من السُّخْرِيَةِ أو التَّنَقُّصِ، أو
يقولون: هذا دِينٌ بِهِ شِدَّةٌ، أو هذا دِينٌ قَاسٍ، أو ما أشبه ذلك. فَمَنْ قَالَ
هَذَا الكَلامَ أَوْ أَمْثَالَهُ، فإنَّه يكون مرتدًّا عن الإسلام، ولو كان يصلِّي
اللَّيْلَ والنَّهَارَ وَيَصُومُ كلَّ الدَّهْرِ، إذا صَدَرَ مِنْهُ كَلامٌ مِنْ
هَذَا كالسُّخْرِيَةِ بالدِّين، والتَّنَقُّصِ للدِّين؛ فإنَّه يكون كافرًا
مرتدًّا؛ إن لم يَتُبْ إلى الله تَوْبَةً صَحِيحَةً، فإنَّه يَعيشُ علَى غَيْرِ
الإسلام.
وَمِنْ
ذَلِكَ أَنْ يَسْتَهْزِئَ بِشَيْءٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ، أو مِنْ صِفَاتِ الله عز
وجل أو أَنْ يَسْتَهْزِئَ بالصَّلاة، أو يَسْتَهْزِئَ بالزَّكاة، أو بالصِّيام، أو
بالحَجِّ، أو يستهزئ بِسُنَّةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم كَأَنْ يَسْتَهْزِئَ
بِشَيْءٍ ثَابِتٍ عن الرَّسول صلى الله عليه وسلم مثل السِّواك ومثل إعفاء اللِّحى
وإحفاء الشَّوارب ومثل سائر الطَّاعات.
ولو
كانت هذه الطَّاعات من المستحبَّات، وَلَيْسَتْ مِنَ الوَاجِبَاتِ، إذا استهزأ بها،
فإنَّه يَكُونُ كَافِرًا؛ لأنَّه اسْتَهْزَأَ بِدِينِ الله عز وجل.
واللهُ
ذَكَرَ المُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ؛ كما قال سبحانه وتعالى:
﴿وَإِذَا
لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ إِلَىٰ
شَيَٰطِينِهِمۡ﴾ [البقرة: 14]؛ يَعنِي:
إِذَا ذَهَبَ المُنَافِقُونَ الَّذين يَدَّعونَ الإِسْلامَ، إذا ذهبوا إلى
الكفَّار وإلى اليهود وغيرهم ﴿قَالُوٓاْ إِنَّا مَعَكُمۡ إِنَّمَا نَحۡنُ مُسۡتَهۡزِءُونَ﴾ [البقرة: 14] يقولون: إنَّما دَخَلْنَا في الإسلام مِنْ
أَجْلِ الاستهزاء، لا من أجل الحقيقة، وإِلاَّ فنحن معكم أيُّها الكفَّار، نحن
معكم على دينكم، ولكنَّنا خَدَعنَا محمَّدًا وأصحابه، فأظهرنا الإسلام، ونحن غير
صادقين في ذلك؛ لنخدعهم.