×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثالث

ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِنۡهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمَۢا [الفتح: 29] وَقَدْ وَصَفَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ,إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» ([1]).

وَكَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعهِ صلى الله عليه وسلم ([2]).

وَهَكَذَا كَانَ سَلَفُ هَذِهِ الأُمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ والتَّابِعينَ والقُرُونِ المُفَضَّلَةِ متمسِّكين بهذا المَنْهَجِ الرَّبَّانيِّ، عامِلِينَ بِهِ في أُمُورِ حَيَاتِهِمْ كُلِّهَا.

وَلِذَلِكَ عنْدَمَا حَدَثَتِ الفِتْنَةُ وَحَصَلَ ما حصل من القتال بينهم، لم يُكَفِّرْ بَعضُهُمْ بعضًا، ولا فَسَّقَ بَعضُهُمْ بَعضًا، ولا بَدَّع بَعضُهُمْ بَعضًا، بل مَع اقتتالهم وما شجر بينهم كانت الأخوَّة باقية، فلم يكونوا يتنابذون بالتَّكفير، والتَّفسيق، والتَّبديع.

فما كان يَسْبُّ بَعضُهُم بعضًا، وما تكلَّم أحد في عقيدة الآخر وَدِينِهِ، بل كانوا إِخْوَةً مُتَحَابِّينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، بَلْ عنْدَمَا ظهرت أُصُولُ الفِرَقِ المخالفة لأهل السُّنَّة والجماعة كالخوارج والرَّافضة والقدريَّة والمُرْجِئَةِ، خَالَفُوا هذه الفِرَقَ، ولم يَتْرُكُوا هَذَا المَنْهَجَ.

بل كانوا مع ذلك جماعة واحدة، كما وصفهم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلاَ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ علَى ذَلِكَ» ([3])عامِلِينَ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لمَّا


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (6011)، ومسلم رقم (2586).

([2])  أخرجه: البخاري رقم (6026)، ومسلم رقم (2585).

([3])  أخرجه: مسلم رقم (1920).