×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الخامس

وقبل ذلك قال الله جل وعلا لنا: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153]، فوصية الله جل وعلا لنا أن نسير على صراطه المستقيم الموصل إليه، وأن نحذر من الشبل المتفرقة التي تفرق المسلمين، ﴿وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ، فسبيل الله واحدة، وأما السُبل فهي كثيرة ومتنوعة، كما صورها الرسول صلى الله عليه وسلم، لما بيَّن لأصحابه لهذه الآية: خط خطًّا مستقيمًا، وخط على جانبيه خطوطًا كثيرة، فقال للخط المستقيم: «هذا سَبِيلُ الله»، وقال لتلك الخطوط: «هذه سُبُلٌ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ» ([1])، مُحذرًا أمته من هذه السبل المتعددة والمتفرقة، وحاثا لهم على لزوم الصراط المستقيم الذي يوصل إلى الله، وهو: كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما عليه سلف هذه الأمة، وأئمتها، وكما قال الإمام مالك رحمه الله: «لا يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها».

فنحن الآن لسنا ضائعين -والحمد لله-، أمامنا طريق واضح ومنهج سليم مستقيم، إذا تمسكنا به لن نضل، أما إذا التفتنا يمنةً ويسرةً، واستمعنا إلى كل ناعق يدعونا إلى ترك هذا الصراط إلى غيره؛ هلكنا في أي وادي من أودية الفتنة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. كان العرب في الجاهلية، كما لا يخفاكم -متفرقين-، ليس لهم رابطة تجمعهم إلا رابطة القبلية، كل قبيلة تنحاز بنفسها عن القبيلة الأخرى، ويحصل بينها نزاع، وقتال، ونهب وسلب، لا أمان ولا استقرار، ولا منهج يسيرون عليه إلا منهج القبيلة -الأعراف القبلية-، كانوا متصارعين فيما بينهم،


الشرح

([1])  أخرجه: الدارمي رقم (208)، وأحمد رقم (4142)، والطيالسي رقم (241).