يأكل قويهم ضعيفهم، وينهب غنيهم فقيرهم، هذا من جهة الكيان للعرب، ليس لهم
كيان إلاَّ كيانات القبائل، وكانوا تحت ظل الدولتين: فارس والروم، كل دولة تأخذ
منهم قسمان يسيرون تحت لوائها، ويلجؤون إليها لحل مشكلاتهم فيما بينهم.
وكانوا من جهة الاقتصاد فقراء، كانوا يأكلون الميتات والجيف، ويستحلونها، ويجادلون دونها، ويقولون: هي حلال، وهي أولى بالحل من الذبائح المُذكَّاة؛ ولهذا قال -سبحانه-: ﴿فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كُنتُم بَِٔايَٰتِهِۦ مُؤۡمِنِينَ ١١٨وَمَا لَكُمۡ أَلَّا تَأۡكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ وَقَدۡ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيۡكُمۡ إِلَّا مَا ٱضۡطُرِرۡتُمۡ إِلَيۡهِۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا لَّيُضِلُّونَ بِأَهۡوَآئِهِم بِغَيۡرِ عِلۡمٍۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُعۡتَدِينَ ١١٩﴾ [الأنعام: 118، 119]، ليس عندهم علم من الوحي، وإنما هم على حسب ما اعتادوه، وحسب ما تخطط لهم الشياطين، ثم قال: ﴿وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِهِمۡ﴾ [الأنعام: 121]، أي: يتلقون من الشياطين، شياطين الإنس والجن، ﴿لِيُجَٰدِلُوكُمۡۖ﴾ في الميتة، ويقولون: الميتة أولى بالحل؛ لأن الله ذكَّاها، وأما الذبائح فأنتم ذكيتموها، فكيف تحرمون ما ذكاه الله، وتحلون ما ذكيتم أنتم! هذا من جدالهم بالباطل كما قال تعالى: ﴿وَإِنۡ أَطَعۡتُمُوهُمۡ﴾ في استحلال ما حرم الله، ﴿إِنَّكُمۡ لَمُشۡرِكُونَ﴾؛ لأن التحليل والتحريم حق الله سبحانه، وهو أعلم بما يصلح الناس وبما ينفعهم، فالذي يطيع هؤلاء في تحليل ما حرم الله يكون مشركا بالله عز وجل، متخذًا معه إلهًا يشرع ويحلل للناس، كما قال تعالى في أهل الكتاب: ﴿ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُوٓاْ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗاۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ سُبۡحَٰنَهُۥ عَمَّا يُشۡرِكُونَ﴾ [التوبة: 31]، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك في طاعتهم في التحليل والتحريم ([1]).
([1]) أخرجه: الترمذي رقم (3095).