هذا طرف مما كانت عليه الجاهلية، فلما بعث الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم رسولاً إلى البشرية عامة، وقف وحده صلى الله عليه وسلم، ودعا إلى الله، دعا العالم، دعا الناس، ﴿قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡ جَمِيعًا ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۖ فََٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلۡأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَٰتِهِۦ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ﴾ [الأعراف: 158]، فلما وقف وحده انضم إليه من المسلمين الواحد تلو الآخر، حتى تكونت عنده جماعة من المسلمين السابقين في مكة، ولكن لا يملك الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة إلا الدعوة إلى الله والبيان فقط، وهو منه أن يناوش المشركين، أو يتحرش بهم؛ لأن هذا يقضي على دعوته صلى الله عليه وسلم، فلما هاجر إلى المدينة، والتف حوله المهاجرون والأنصار، ووجد من يحميه، وتكونت دولة الإسلام؛ شرع الله الجهاد حينذاك وأمر به، فجاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لي الكفار والمشركين بالسلاح، وجاهد المنافقين بالحجة، حتى استقام دين الله عز وجل، ﴿وَزَهَقَ ٱلۡبَٰطِلُۚ إِنَّ ٱلۡبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقٗا﴾ [الإسراء: 81]، ولما مر يهودي من اليهود المقيمين في المدينة على حي من الأنصار مجتمعين يأنس بعضهم ببعض، ويتحدثون متآخين متحابين غاظه ذلك، فجلس معهم، وذكر هم بالأحقاد التي كانت بينهم في الجاهلية في حرب بعاث، وما تقاولوا به من الأشعار بعضهم في بعض فثارت ثائرة بعضهم على بعض -وهذا ما يريده عدو الله اليهودي-، وتوعدوا القتال، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم لي ذلك خرج إليهم وذكَّرهم ووعظهم، وهدأهم وأنزل الله جل وعلا قوله: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ ١٠٢وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم