فهَذَا فِيهِ:
الإِنْكَارُ عَلَى التّشَدُّدِ فِي الأمُورِ الصَّغِيرَةِ، والتّسَاهُلِ فِي
الأمُُورِ الكَبِيرَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ: القَتلُ، قَتْلُ النُّفُوسِ هَذِه
كَبِيرَةٌ؛ فَأكثَرُ مَا وَقَعَ القَتلُ فِي العِرَاقِ؛ حَيثُ خَرَجَ الخَوَارِجُ
يَقتُلُونَ المُسلِمِين.
ومِن
ذَلِكَ وَقعَةُ النَّهْرَوَانِ بَيْنَ المُسلِمِين بِقِيَادةِ أَمِيرِ المُؤمِنِين
عَلِيِّ بنِ أبِي طَالبٍ رضي الله عنه وبين الخوارج، قُتِلَ مِنهُم مَقتلةٌ
عَظِيمَة؛ سِتّة آلاَفٍ أوْ أكثَر مِن الخَوَارِجِ قَتلَهُم أَمِيرُ المُؤمِنِين
رضي الله عنه، كفَّ اللهُ بِذَلِك شَرَّهم عَنْ المُسلِمِين.
فهُم
مَعَ أنَّهُم يَسأَلُونَ عَن الصَّغَائِرِ، لاَ يُبَالُونَ بِالكبَائِرِ؛
فيَسْأَلُون عَن دَمِ البَعُوضِ، وَيَستَحِلّونَ دَمَ المُسلِمِ؛ كمَا فَعَلُوا
مَعَ الحُسَيْنِ وغَيْرِه.
فهَذَا
فِيهِ: التَّحذِيرُ مِن التّشدُّدِ، وأنَّه مِن الفِتَنِ، وأنَّه
عَلامَةٌ عَلَى الخَوَارجِ، هَذَا دَأْبُهُم؛ يَسأَلُونَ عَن الصَّغَائِرِ،
ويَنْتَهِكُون الكبَائِرَ - وَالعِيَاذُ بِاللهِ -، هذَا مِن الفِتَنِ الّتِي
تَحصُلُ فِي الُمسلِمِين مِن بَعضِهِم مَعَ بَعضٍ.
بَيَّن
رضي الله عنه شِدّةَ قتلِ النفُوسِ بِغَيرِ حَقٍّ، هَذَا شَيءٌ حَصَلَ لِمُوسَى
عليه السلام؛ كمَا ذَكَرَ اللهُ فِي قِصتِهِ، مُوسَى عليه السلام تَربَّى فِي
بَيتِ فِرعَونَ، وكَانَ رَجُلاً قَوِيًّا مُهَابًا، هَيَّأهُ اللهُ جل وعلا
لحَمْلِ الرِّسَالَةَ، فَنَشَأ نَشْأَةً قَوِيَّةً.
فِي
ذَاتِ يَومٍ جَاءَ يَمْشِي، فَوَجَد فِي المَدِينَةِ رَجُلَيْن يَقتَتِلاَن -
يَتَضَارَبَان -؛ وَاحدٌ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن جَمَاعةِ مُوسَى عليه السلام،
والثّانِي مِن القِبْطِ جَمَاعةِ فِرْعَونَ.
﴿هَٰذَا مِن شِيعَتِهِۦ﴾ [القصص: 15]؛ أَيْ: مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ.