﴿وَهَٰذَا
مِنۡ عَدُوِّهِۦۖ﴾ [القصص:
15]؛ يَعنِي: مِن آلِ فِرْعَونَ.
﴿فَٱسۡتَغَٰثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِۦ﴾ [القصص: 15]؛ اسْتَغَاثَ بِمُوسَى، وهَذَا فِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى أنَّ الاستِغَاثةَ بِالمَخلُوقِ فِيمَا يَقدِرُ عَلَيهِ جَائِزةٌ.
والاسْتِغَاثَةُ:
طَلبُ الغَوثِ عِندَ الشّدَّةِ.
مِن
عَادةِ مُوسَى عليه السلام وَكرَمِه وَرُجُولتِه أنّه يُسَاعِدُ المُحتَاجَ،
ويُفرِّجُ عَن المَكرُوبِ فهذا مِن شَمَائلِه عليه السلام، فمُوسَى عليه السلام
تدَخَّلَ، وَوكَزَ الرَّجلَ العدُوَّ بِيَدِه، ضَرَبَه بِيدِه، لَم يَتعمَّدْ
قَتلَهُ، إنّمَا أرَادَ رَدْعَه، وَكَزَه مُوسَى عليه السلام، لكنَّه كَانَ قَوِيًّّا،
تَسبَّبَ عَن هَذِه الوَكزَةِ أنَّ القِبطِيَّ مَاتَ، قَضَى عَليْهِ، لَم يَقصِدْ
هَذَا، هذَا قَتَلٌ خَطأٌ، ثمَّ اعتَرَفَ عليه السلام أنَّ هَذَا خَطَأ، وأنَّه
مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ، فاسْتَغفَرَ رَبَّه، فَغَفَرَ لَه، لكنْ أَصَابَ مُوسَى
عليه السلام بَعْدَ ذَلِك عُقوبَةً؛ ﴿وَفَتَنَّٰكَ فُتُونٗاۚ﴾
[طه: 40].
أَصبَحَ
خَائِفًا فِي المَدِينَةِ يَترَقَّبُ، وَخرَجَ هَارِبًا، ذَهَب إلَى أَرضِ مَدْيَن
مِن مِصْرَ، وبَقِيَ فِي مَديَن عشْرَ سَنوَاتٍ، يَرعَى الغنَمَ - كمَا ذَكَرَ
اللهُ القصّةَ فِي ذَلِك -، كلُّ هَذَا مِن التّربِيَةِ لِمُوسَى عليه السلام،
وأيضًا ليَذُوقَ شَيئًا مِن عُقُوبَةِ قَتلِ النَّفسِ بِغَيرِ حَقٍّ، معَ أنَّه
خَطأٌ، فَكَيفَ بِالتَّعَمُّدِ - والعِيَاذُ بِاللهِ - ؟!
قتْلُ
النَّفسِ تَعمُّدًا: ﴿وَمَن
يَقۡتُلۡ مُؤۡمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ﴾ [النساء: 93]، وَحتَّى الكَافِر لاَ يَجُوزُ قَتلُهُ،
إذَا كَانَ لَه عَهدٌ أوْ مُستَأمَن؛ لأنَّه مِن النَّفسِ الّتِي حَرَّمَ اللهُ.
فمَا
حَصَلَ مِن مُوسَى عليه السلام فِيهِ عِبرَةٌ، وفِيهِ تَعظِيمُ خَطرِ قَتلِ
النّفُوسِ بغَيرِ حَقٍّ، هَذَا فِيهِ التَّحذِيرُ مِن سَفكِ الدّماءِ؛ سَفك
دِمَاءِ المُسلِمِين،