×
شرح كتاب الفتن والحوداث

 وهَذَا فِيهِ التَّحذِيرُ مِن انْفِتاحِ الدّنيَا؛ لأنَّه جَاءَ عَلَى أثَرِ هَذِه الفتُوحِ أنْ كَثُرَت الأموَالُ عِنْدَ المُسلِمِين؛ إِذ فَاضَ عَلَيهِم المَالُ مِن كنُوزِ كِسْرَى مَلِكِ الفُرسِ وكُنُوزِ قَيْصَرَ مَلكِ الرُّومِ، ﴿إِنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞۚ [التغابن: 15].

كيْفَ تكُونُونَ فِي هَذَا الوَقتِ؟ يَسأَلُ المُسلِمِين؛ يَعنِي: هَلْ تَبقُونَ عَلَى دِينِكُم، أمْ تنْحَرِفُونَ عَنهُ مَعَ الدّنيَا.

قالَ عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ رضي الله عنه -يحسِنُ الظّنَّ-: نَكُونُ عَلَى خَيرٍ.

يَعنِي: نَستَعِينُ بِهَذِه الأمْوَالِ عَلَى طَاعةِ اللهِ وَعَلَى الجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ، هَذَا الّذِي كَانَ يُؤَمِّلُه عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ الصَّحَابِيُّ الجَلِيلُ.

«قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ»؛ أيْ: الأَمْرُ سَيَكُونُ غَيرَ مَا تَقُولُ، مَا هُوَ؟ أنَّه سَيَكُونُ هُنَاكَ فِتنَةٌ بَيْنَ المُسلِمِين، يَتَنَافَسُونَ الدّنيَا، فَإذَا فُتِحَتْ علَيْهِم الدّنيَا يَتَنَافَسُونَهَا؛ كلٌّ يُرِيدُ أنْ يَأخُذَها عَن الآخَرِ، يَستَوْلِي عَلَيهَا، ثمَّ يَنشَأُ عَن هَذَا التَّحاسُدُ والقَطِيعَةُ بَيْن المُسلِمِينَ مِن أجْلِ الدّنيَا، ثمَّ يَتَطوَّرُ الأمْرُ إلَى القَتلِ، تَتَقَاتَلُونَ عَلَى الدّنيَا، فَهَذَا فِيهِ التَّحذِيرُ مِن الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم.

وفِيهِ: عَلَمٌ مِن أَعْلاَمِ نُبُوَّتِه صلى الله عليه وسلم؛ أنَّها سَتَسْقُطُ دَولةُ الفُرسِ ودَولَةُ الرُّومِ بِيَدِ المُسلِمِين، مَن الّذِي كَانَ يُؤَمِّلُ هَذَا - المُسلِمُون كَانُوا أَقَلِّيّةً مُستَضعَفِينَ فِي الأَرضِ -؛ إِنَّهُم فِي وَقتٍ سَيَظْهَرُون، مَن يُؤَمِّلُ هَذَا؟! أَخبَرَ صلى الله عليه وسلم أنَّه سَيَكُونُُ، وَكَانَ، وَهَذَا مِن عَلاَمَاتِ نُبُوتِهِ صلى الله عليه وسلم.

لَكنَّه حَذَّرَ مِمَّا يَحدُثُ عِنْدَ ذَلِك مِن الفِتَنِ: مِن التَّحَاسُدِ، مِن التنَافُسِ


الشرح