×
شرح كتاب الفتن والحوداث

والبَحْرَيْن: يُرَادُ بِهَا الإِحْسَاء، جِهَة الإِحْسَاءِ، كَانَتْ فِي الأوَّلِ تُسَمَّى البَحْرَيْن، أمَّا الآنَ، فَصَارَ اسْمُ البَحْرَيْن خَاصًّا بِمَملكَةِ البَحْرَيْن بِدَاخلِ البَحْرِ.

الشَّاهِدُ مِن هَذَا: أنَّه أَرسَلَ أبَا عُبَيدَةَ رضي الله عنه؛ لاِستِلاَمِ الجِزيَةِ الّتِي يَدفَعُهَا أَهلُ البَحْرَيْنِ، اسْتلَمَها رضي الله عنه، وَجَاءَ بِهَا.

لمَّا سَمِعَ الأنْصَارُ رضي الله عنهم بِمَقدمِهِ، كَانُوا فِي حَاجةٍ، فَرِحُوا بِذَلِك، وَبَادَرُوا إِلَى الحضُورِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَصَلُّوا مَعَهُ الفَجْرَ.

ولمَّا رَآهُم صلى الله عليه وسلم تَبَسَّمَ؛ تَعَجُّبًا مِنْهُ صلى الله عليه وسلم لسُرعَةِ النَّاسِ فِي طَلبِ الدُّنيَا، وحِرْصِ النَّاسِ عَلَى طَلبِ الدُّنيَا، مَعَ فَضلِهِم وَشَرَفِهم، لكنَّ المَالَ فِتنَةٌ، وَهُم بِحَاجةٍ - أَيْضًا - إلَى المَالِ.

فقَالَ: «أَظُنُّكُم سَمِعْتُم أنَّ أبَا عُبَيدَةَ قَدِمَ بِشِيْءٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ؟»، قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ؛ سَمِعنَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَتَيْنَا مِن أَجلِ هَذَا. قَالَ: «فَأَبْشِرُوا وَأََمِّلُوا مَا يَسُرُّكُم»، هَذَا مِن كرَمِ أخْلاَقِه صلى الله عليه وسلم معَ النَّاسِ عُمُومًا، وَمَعَ أَصحَابِه خُصُوصًا. «وَأََمِّلُوا مَا يَسُرُّكُم»؛ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لَن يَدَّخِرَ شَيئًا عَنهُم، لاَ تَخَافُوا مِن ألاَّ يَصِلُكُم شَيءٌ، أمِّلُوا مَا يَسُرُّكم، وَلاَ تَأمَلُوا غَيْرَ ذَلِكَ.

ثمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم وَهَذا مَوضِعُ الشَّاهِدِ مِن الحَدِيثِ: «مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُم»؛ لأنَّ الفَقرَ لَيسَ مَعَه مُنَافَسةٌ، ولَيْسَ مَعهُ تحَاسُدٌ، ولَيْسَ معَهُ شَيءٌ مِن الحَزَازَاتِ فِي النفُوسِ، الفُقَرَاءُ ليْسَ بَينَهُم شَيءٌ؛ لأنَّه لَيْسَ هنَاكَ بِمُوجِبٍ لِلتَّحَاسدِ ولِلتَّنافُسِ؛ لِعَدَمِ المَالِ، المَالُ هُو الفِتنَةُ: ﴿إِنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞۚ [التغابن: 15].


الشرح