×
شرح كتاب الفتن والحوداث

«مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُم»؛ أيْ: لاَ أخَافُ عَليكُم مِن الفَقرِ؛ لأنَّ الفَقْرَ لاَ يَحصُلُ مَعَهُ شَيءٌ مِمَّا يَحصُلُ مَعَ الغِنَى.

«وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُم أَنْ تُبْسَطَ الدُّنيَا عَلَيكُم»: يُيَسَّرُ عَليكُم المَالَ وَالغِنَى والثَّروَة، فَحِينئِذٍ يَحصُلُ تنَافسٌ عَليْهَا، كلٌّ يُرِيدُ أنْ يَحُوزَها عَن الآخَرِ، فيَحْصُلُ تنَافُسٌ بَينَكُم، يُؤدِّي إِلَى تَحَاسُدٍ، يُؤدِّي إلَى البَغْضَاءِ، يُؤدِّي إلَى أمُورٍ لاَ تُحمَدُ.

طَبِيعةُ الإِنْسَانِ هَكَذَا، حتَّى وَلَو كَانَ مِن أَهلِ الفَضلِ: ﴿وَتُحِبُّونَ ٱلۡمَالَ حُبّٗا جَمّٗا [الفجر: 20].

المَالُ يَدفَعُهُ إلَى المُنافَسَةِ مَعَ أَخِيهِ، وَإِذَا تَنَافَسَا صَارَ فِي النُّفُوسِ شَيءٌ بَعْضُها عَلَى بَعضٍ، وَالمَفرُوضُ فِي المُسلِمِين التَّوَاصُلُ، والمَحبَّةُ فِيمَا بَينَهُم وَالتَّعاوُنُ، وَلكنَّ المَالَ يَحمِلُهُم عَلَى شَيءٍ مِن التَّنافُسِ. «فَتَنَافَسُوها كَمَا تَنَافَسُوهَا»؛ يَعنِي: مَن كَانَ قَبلَكُم مِن الأُمَمِ، تَتَنَافَسُون فِيهَا، وتَتَسَابَقُون إلَيهَا، كلٌّ يُرِيدُ أنْ يَحُوزَها عَن الآخَرِ.

وفِي رِوَايةٍ: «وَتُلْهِيكُم»؛ تُلْهِيكُم عَن الآَخِرَةِ وَعَن العمَلِ الصَّالحِ، شَيءٌ مُجَرَّبٌ هذَا أنَّ الأثْرِيَاءَ يَنشَغِلُون بِأَموَالِهِم، وتَنمِيَةِ ثَرَوَاتِهم، يَنشَغِلُون عَن العمَلِ لِلآخِرَةِ، يَعجَزُون عَن الجَمْعِ بَيْنَ العمَلِ لِلدُّنيَا والعَمَلِ لِلآخِرَةِ عَلَى الوَجهِ المَطلُوبِ، وإلاَّ يُمكِنُ الجَمعُ، لَكِنْ عَلَى الوَجْهِ المَطلُوبِ، لاَ يُمْكِنُ هَذَا.

همَا ضُرَّتَان، الدُّنيَا وَالآخِرَةُ ضرَّتَانِ؛ يَعنِي: مِثْلُ الزَّوْْجَتَيْن، ضَرَّتَان؛ إذَا مِلْتَ إلَى إِحْدَاهُما، أَغْضَبْتَ الأُخْرَى، فَمَن مَالَ مَعَ دُنْيَاه أَضَرَّ بِآخِرَتِه، وَمَن مَالَ مَعَ آخِرَتِه أَضَرَّ بِدُنْيَاه.


الشرح